الحلقة 346: المبدعون… الوطن ينتسبُ إليهم
(الاثنين 20 حزيران 2005)
خلال الأربعة الأسابيع الماضية، وسْط حَمْأة الانتخابات، طرحَت بعض الصحف سُؤالاً على المثقفين المنتجين (المعروفين اصطلاحاً بـ”المبدعين”): إلى مَن ينتمون، وفي أيّ تيار يصطفون، وإلى أيّ موقعٍ سياسي ينتسبون بين التيارات والتوجُّهات والاصطفافات المطروحة وسط الموزاييك السياسي في البلاد.
هذا السؤال لا يُطرَح على المبدعين لأن جوابه واحد: المبدعون لا يُمكن أن يكونوا حبوباً في مسبحة أحد، لأنهم، عدا الحزبيين الملتزمين بينهم، لا يُمكن أن يكونوا منفِّذي قرارات أحد، ولا قطيعاً يسير بِمشيئة أحد، ولا انضوائيين في قيادة أحدٍ من المرشحين الكانوا مطروحين، ومعظمهم مرحليون ولو طالت مرحلتُهم، وزواليون ولو استطالت ولاياتُهم، وعابرون ولو تَمطّى عبورهم على جسر الوطن.
المبدع لا يقترع ولا يُدار، بل يَنتخب ويَختار. المبدع لا يقَرَّر عنه، بل هو يُقرِّر.
المبدع لا ينتسب إلى أحد ولا ينحسب على أحد، بل كلُّ أحدٍ ينتسب إليه. جبران كان ينتمي إلى لبنان. اليوم: لبنان ينتمي إلى جبران.
المثقفون المنتجون: أدباً موسيقى فكراً مسرحاً رسماً نَحتاً، أي المبدعون آداباً وفنوناً، هُمُ الباقون على الزمن، يغادرون هذا العالم ويبقى نتاجهم مضيئاً في الزمان لا يغادر، تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل.
من هنا أن المواطن العادي ينتسب إلى الوطن، أما المبدعون فالوطن ينتسب إليهم، لأنهم عناوينُ ثابتةٌ يُعرَّف بهم الوطن حين يشار إليه بعد سنوات وأجيال.
مئات الملايين يعرفون موزار وشكسبير وميكالانج وغوته وفيكتور هوغو والمتنبّي وزرياب، ولكن كم واحداً من هؤلاء الملايين يعرف من كان حاكماً أو وزيراً أو والياً أو قاضياً أو مسؤولاً سياسياً أيام موزار وشكسبير وميكالانْج وغوته وفيكتور هوغو والمتنبّي وزرياب؟
أما قصة بيتهوفن الشهيرة مع الملك، فأرويها غداً للتأكيد على ديْمومة المبدعين وآنيّة الحكام. فإلى الغد.