312: ساحة الحرية بدون خيام الحرية

الحلقة 312 – سـاحـة الحُـرِّيـَّـة بـدون خِـيـام الحُـرِّيـَّـة
(الثلثاء 3 أيار 2005)

في التداول أنَّ نوَّابَ الوطن قد يَجتمعُون غداً الأربِعاء (إذا اجتمعوا) كي يتناقشوا في قانون الانتخاب، بعدما تطييرُ جلسةِ اللجان النيابية المُشتركة، ظهرَ الخميس الماضي، أحدثَ صدمةً في صفوف المواطنين.
هذه الصدمةُ كنتُ بدأتُ أُحسُّها منذ مساء ذاك النهار نفسه، الخميس، حين أمضيتُ والفنانَ الياس الرحباني سهرةً كاملةً مع شباب مُخيَّم الحرية في ساحة الحرية، ولَمسْتُ صمتاً بين كلامهم، وسؤالاً حافياً في جُمود عيونهم، وافتكاراً شَكّاكاً مِما حصل في مَجلس النوّاب من تطيير تلك الجلسة الجلساء.
مساءَ الخميس كان الشبابُ يتهيَّأُون لتفكيكِ خيامهم والعودةِ كلٌّ إلى موئله، مع إصرارٍ منهم جميعاً أن يَجعلوا هذا المخيَّمَ جوّالاً على لبنان، كلِّ لبنان، كلَّ شهرٍ على الأكثر، فيجولوا على كلِّ المناطق جامعين شبابَها من كلِّ انتماءاتهم، كي يُبقوا على التحاور والتلاقي فيظلَّ كلُّ لبنان يلاقي كلَّ لبنان في كلِّ لبنان.
وكان الشبابُ منقسِمين: قسمٌ يتَهيَّأُ كي يغادرَ المخيَّم، والقسمُ الآخَر غيرُ مقتنِعٍ بِمغادرة المخيَّم. وعند طرح فكرةِ البقاء راح القسمُ الأخير يزداد، وترتفعُ أصواتُ مَن يُعبِّرون بالصوت العالي عن إصرارهم على البقاء حتى تتحقَّق أمورٌ أُخرى غيرُ تلك التي تَحققّت بفضل صمود شباب مُخيَّم الحرية في ساحة الحرية.
كانوا يرفضون أن يغادروا هذه الساحةَ التي استقطبوا إليها سياسيين جاؤوا يُطلقون منها صرختَهم وسط شباب المخيَّم، صرخةَ الحرية مُحاطين بشباب الحرية في ساحة الحرية، مستقْوين بشباب الحرية في ساحة الحرية، مستشهدين بشباب الحرية في ساحة الحرية، حتى ظلَّت أصوات الشباب واعتصام الشباب وعناد الشباب في البقاء داخل المخيَّم، هاجس معظم السياسيين الذين أخذوا في معظم تصاريْحهم يَذْكُرُون شباب مُخيّم الحرية في ساحة الحرية ويذكِّرون بظاهرة 14 آذار في ساحة الحرية، حتى باتَ شبابُ مُخيَّم الحرية في ساحة الحرية مُنعطَفاً مِحوريّاً عند اتّخاذ القرارات السياسية.
فكيف يُمكن أن تطيرَ جلسةُ اللجان النيابية المشترَكة، لسببٍ مَخفيٍّ أو ظاهِرٍ أو منطقيٍّ أو معقولٍ أو مدروسٍ أو متواطئٍ أو عادل، من دون اعتبار هؤلاء الشباب الذين مضى عليهم، حتى مساء السبت الماضي، اثنان وسبعون يوماً معتصمين سلمياً غانديّاً لكي تَجري الانتخاباتُ النيابية بالإطار اللبناني لا المعَلَّب السابق، وبالصوت الحُر لا المُقَيَّدِ بالمحادل والبوسطات والأوتوكارات والقطارات واللوائحِ المفروضةِ التي تُغَلِّبُ لبنانياً على لبناني.
لذلك لَم يَعُدْ مُمكناً تَصَوُّرُ ساحةِ الحرية بدون خيام الحرية، ولا تَصَوُّرُ شبابِ لبنان بدون مُخيَّم الحرية، ولا تَصَوُّرُ انتخاباتِ أيار بدون ساحة 14 آذار وما غيَّرتْهُ ساحة 14 آذار بعد زلزال 14 شباط.
ولبنان بعد 14 شباط لن يغفِرَ لرموز لبنان قبل 14 شباط، إذا مرَّ ببال هؤلاء أن يُركّبوا بالمعادلةِ القديْمةِ مَحدلةً جديدة قد تلتفُّ ارتداداً وتَحدِلُ… راكبيها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*