الحلقة 304: نداء ثالث إلى الرئيس نجيب ميقاتي
(الخميس 21 نيسان 2005)
دولة الرئيس،
… وبين حرَد الحردانين وعتب العتبانين ورضى الراضين ونَـقّ المعترضين، تُقْلِع هذه الحكومة ببيانٍ وزاري يتهيَّأُ منذ اليوم ليُرضي من يطالبونَها بِما يرغبون. لكنّ الأَهَمَّ الأَهَمَّ يبقى أن تُرضي بإنْجازاتِها الشهرَينيّة آمال الشعب اللبناني المنتظِرِ أن تكون له حكومةٌ، أيّةُ حكومةٍ، توصله إلى الانتخابات، ويبقى علامةَ هذه الحكومة الشهرينية خُلُوُّها من المسترشحين في أيار، والمسترئسين بعد أيّار، وكونُها تأْتي من خارج نادي السياسيين، ليعمَلَ كلُّ وزيرٍ على ملفّاته، نأْياً عن إرضاء قاعدته الشعبية واعتباراته الانتخابية، بعيداً عن حساباته السياسية، وقريباً من الشعب اللبناني الذي بات هو اليومَ في الطليعة، وأهلُ الحُكْم يتْبعون ويراعون ويتّبعون ليكونَ فضلُ هذه الحكومة أن تُوصل اللبنانيين إلى انتخابات أيَّار، كي يُطيحوا السواد الأعظم من “بيت بو سياسه” مِمّن ربَضوا على صُدور الشعب سنواتٍ مطاطةً طويلةً، وانفرَضوا على الناس بِقُوَّةٍ ضئيلُها ذاتيٌّ داخليّ وجُلُّها غَيريٌّ خارجيّ، وسوف يَحين الوقتُ في أيّار كي يرحلوا عن شاشات الشعب اللبناني فيرتاحوا ويُريْحوا.
دولة الرئيس،
حكومتُك الموقّتة اليوم، أيّاً كانت تردُّداتُها وأصداؤُها، فيها الكثير من التفاؤُل الوطني بالمستقبل، لأنها جاءت بطاقمٍ مُعْظَمُهُ على حجم هذا التفاؤُل، جاءت بعيدةً عن كل استنسابٍ ونسبيّةٍ وتنسيبٍ، جاءت مُمَهَّدَةً لها الطريق كي تعمل: فالوطن نَهَضَ من رماده ودماره، وينتظر من يُقلع به إلى غدٍ أفضلَ يُعيدهُ إلى وضعٍ اقتصادي ومالي مريْح.
كلُّ هذا تَجترحه في شهرَين؟ طبعاً لا. لكنّ هذه الحكومة الشهرينية الموقّتة هي جسرٌ للعبور إلى حكومةٍ سَمّيتَها أنتَ، يا دولة الرئيس، “حكومة الاتّحاد الوطني” بعد أيار، وعندئذٍ، بعد أيّار، يتصالَح “بيت بو سياسة” مع “بيت بو سياسة” ويتخاصرون ويتكاتفون، ويعقدون النوايا والخناصر على تأسيس جمهورية لبنان المستقبل مصالَحةً وطنيةً واتّحاداً وطنياً ومعارضةً وطنيةً وموالاةً وطنيةً حتى لا يعود الفرق بين موالاةٍ ومعارضة إلاّ بِمقدار العمل أكثرَ على مصلحة الوطن بعيداً عن الكيديات والنكايات وتصفية الحسابات.
دولة الرئيس،
جسرُ عبورٍ هذه الحكومةُ الشهرينيةُ القصيرة العمر؟ صحيح. ومع أن وزراءَها يعرفون سلفاً أنهم جسرُ عبور، نسألُهم يعملون كأنّهُم باقون طويلاً. فالأداء الجيّد نوعيةُ عطاء لا مدى بقاء، والأداء الجيّد كالبرق: سريعُ الومض لكنّه بليغُ الرعد بعده ذو تأثير يتردّد طويلاً في البال.
فلتكن حكومتُك الشهرينية يا دولة الرئيس برقاً وميضاً يُخَلّي وراءه رعداً طويلاً يُردّد هتافات الناس في ساحة الحرية، ويُمهّد لِحكومةٍ تاليةٍ تَجيءُ بعد أيار تكون فعلاً وحقاً حكومةَ مطلع مرحلةٍ أمُّها الحرية وأبوها القرار اللبناني.