298: 30 عاماً. 3) من بيروت للموت إلى بيروت للحياة

الحلقة 298: ثلاثون عاماً… فماذا تَعَلَّمْنا؟
الجزء الثالث: من بيروت للموت إلى بيروت للحياة
(الأربعاء 13 نيسان 2005)

اليومَ يومُ الذكرى، فهل نتّعظ؟ وكيف؟
أننسى؟ أَنَطوي الذاكرة وننسى؟ أم نُبقي الذكرى حيَّةً في البال؟
لا يتعلّمُ من أخطائه مَن كان بلا ذاكرة. إذاً، نَحتفظُ بالذكرى: لا لكي نظلَّ في دائرة الذكرى، بل لكي نتعلّم.
13نيسان لم يكن يوماً في شهر من سنة، بل كان كرةَ نارٍ في سهلٍ تدحرجَت فأحرقَتِ السهلَ وغمارَ القمح في السهل وغلالَ الجنى في السهل، وتناسلت نيراناً أكلَت من أهلنا ومن أرضنا ومن وطننا، فسقط الشهداء، ومات أبرياء، واستُشهد رؤساء، وهاجر أنقياء.
ثلاثون عاماً عبرَت، منذ ذاك اليوم مثلَ اليوم حتى اليوم!
ثلاثون عاماً، في شِقّين: سبعةَ عشر عاماً من حربٍ طاحنة، وثلاثةَ عشر عاماً من سِلْمٍ ناقصِ الكرامة والسيادة ظلّ يلهثُ انتظاراً على جلجلة الخلاص، حتى بتنا اليوم نشعر بقُرب القيامة.
ثلاثون عاماً، نصفُها سنواتُ نار، ونصفها الآخر سنواتُ انتظار.
ثلاثون عاماً لم تبق خلالها دولةٌ عربية أو غربية إلاّ مارست عندنا جيوشَها أو مُخابراتِها أو أسلحتَها أو عُملاءها أو انتقاماتِها أو مُخططاتِها، تصميماً وتنفيذاً، ونَحن على المحرقة الحطَبُ للنار والرّماد.
وبعد ثلاثين عاماً، وبعد مُحاولاتٍ خجولٌ بعضُها وأجرأُ منه بعضُها الآخَر، للخروج إلى السيادة والحرية والاستقلال التام، والحياة الحُرة بدون وصايات وانتدابات، كان زلزالُ 14 شباط، فخرج الخلاصُ من رحْم الفجيعة، وخرج المردَةُ من قماقمهم، وخرجتِ الصرخةُ الغاضبة من صدور المفجوعين، وخرجت نار الحرية من قلوب أبنائِها، الأحرارِ غير المستزلِمين ولا المستسلمين ولا المرتَهِنين، وعوضَ أن يُدَمِّرَ الزلزالُ الأرضَ التي شاءها المجرمون تتزلزلُ فتنشقُّ وتتفسَّخ، نبتَت من نيرانِ الحريق شرارةُ انتفاضةٍ أعطتِ النبضَ لِحياة لبنان، لبنانَ الجديد الذي يَحتفل اليوم: لا بذكرى 13 نيسان 1975 بل بِمرور ثلاثين عاماً على تاريخٍ شاؤوه لنا موعداً مع الموت، وها هو اليوم لبنان 13 نيسان على موعدٍ مع الحياة.
هكذا لبنانُ الفينيقُ: لَم ينهض من رماده في اليوم الثالث هذه المرة، بل في عامه الثلاثين، قوياً ينهضُ، ومتعافياً ومتماسكاً ومتضامناً وموحَّداً قابلاً للحياة والمستقبل، والغدِ الجديد الواعد بفجر ربيع دائمٍ إلى نَهضة الوطن.
وبيروتُ التي أعَدُّوا موتَها في 13 نيسان 1975، ها هي اليوم، من جديد، عاصمةٌ جميلةٌ من جديد، تستحقُّ حُلْمَ الذي أعادها إلى الحياة، وها هي زلزلت بالحياة أقوى من زلزال الموت، ونَهضت من 14 شباط الذي أريد لها تاريخ موت، فقامت من فجيعتِها مدينةً للمستقبل، مدينةً تعمَّمَت على كل لبنان، مدينةً تستحِقُّ بِجدارةٍ بركةَ الحياة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*