الحلقة 292: لأنك علّمتَ شباب لبنان وجه مستقبل لبنان
(الثلثاء 5 نيسان 2005)
أيها المُسجَّى اليومَ في قلب بازيليك القديس بطرس، ساكتٌ قلبُك الكبيرُ ولم نعْتَدْه بهذا السكوت، وأنتَ عوَّدْتَنا على الحركة، على الثورة، على التغيير، وديناميةٍ كنتَ تقوى بها على شيخوختكَ الزاحفةِ إليكَ بقسوة.
شاباً كنتَ في كهولتِك وشيخوختِك، وكنتَ دوماً ترنو إلى شباب العالم تُخاطبهم بِمحبةٍ وحكمةٍ وجُرأَةٍ وحُنُوّ.
قلتَ لهم سنة 1990: “يا شباب العالَم، أنتم الأغصان الحيّة التي لا يجوز ألاّ تُثمر. البشريةُ بحاجةٍ إلى نضارتكم وديناميّتكم”. وقلت لهم سنة 2000: “إليكم أُوكل سِفْر الحياة. تأَمَّلوا وفَكّروا قبل أن تُقْدِموا، ولا تخافوا أن تكونوا قديسين”. وسنة 2003 قلت لهم: “مطلوبٌ منكم أن تكونوا رقباء الصَّباح”.
ويوم جئت إلى لبنان سنة 1997، بعد السينودس الذي كرَّستَه للبنان، ومعك “الإرشاد الرسولي – رجاءٌ جديدٌ للبنان”، خصصت صفحاتِ قداسةٍ مشرقةً لشباب لبنان. خاطبتهم على شرفة بازيليك سيّدة لبنان في حريصا، وقلتَ فيهم: “أنتم غنى لبنان ومستقبلُه، فارصدوه على الاستقلال والحرية”، وقلتَ لهم: “الله خلق الإنسان على صورته، ففي وجهه إذاً وجهُ لبنان، وأنتم وجه لبنان”، قُلتَ لهم: “تَجاوَزوا خيبة الأمل وكونوا ضمير شعبكم وشركاءَ أساسيين في المواطَنَة الكاملة”، وقلتَ لهم: “الكنيسة ولبنان يعوّلان عليكم”، وقلتَ لهم: “عطشُكُم للحقيقة والمطلق، يَجب أن يرتوي”، وقلتَ لهم: “أنتم الحافز الأَساسي لتجدُّد لبنان الوطني والروحي”، وقلتَ لهم: “عليكم مرصودٌ بناءُ مُجتمع لبنان على أُسس ثابتة، فأسسوه على دعائم متينة”.
كلُّ هذا، وسواه، قلتَه لشباب لبنان، أَيها الأبُ الأقدس المغمضُ العينين اليوم، وفتحتَ عيونهم على حرية لبنان، وتَحرُّر لبنان، وسيادة لبنان، واستقلال لبنان، وكرامة لبنان، فانتفَضوا انتفَضوا، ومنذ أيامٍ وهُم منتفِضون، لا يرتاحُون ولا ينامُون حتى يَصِلوا فيُوصِلوا الوطنَ الرسالةَ إلى أن يكونَ رسالةَ الوطنِ النموذج الذي ينتفضُ من رماده فيقوم من دماره إلى البناء الأرضيِّ والسماويّ، الدنيويِّ والروحيّ، الوطنيِّ والعالَميّ، وطنِ الفينيق الذي قام في اليوم الثالث الى… نهاية الأيام.
أيها الأبُ الأقدس، شبابُ لبنان يودِّعونك اليوم مُوْدِعين إغماضةَ عينيكَ وفاءَهُم لكَ، أيها العظيمُ الذي جاء إليهم بصورةٍ عن لبنانَ الرسالة، ومُعاهِدينَك سعْيَهم أن يكونوا على ثقتكَ بهم وبوطنِهم، وبلبنانَ الشبابِ الذي شِئْتَهُ أنتَ ينهض، فحمل كُسوره ونهض متعافياً إلى حَميّة شباب لبنان.