290: رسالة ثانية إلى شباب لبنان

الحلقة 290: رسالة ثانية إلى شباب لبنان
(الجمعة 1 نيسان 2005)

مُواصلةً لرسالة أمس الخميس إلى شباب لبنان، وفرحاً بهم يَبْنُون اليوم ركائزَ حقيقيةً للبنان المستقبل، نُخاطبهم اليوم أيضاً أنْ: واصِلوا احتضانَكُم وطنَكُم بهذه الطريقة الرافضة الحريصة على لبنانية وطنكم، لا هويةَ له إلا هو، لا صفةَ تضاف إلى هويته، ولا نعتَ يُلصَق بهويته، ولا استعارةَ ولو عابرةً ولو مؤقتةً إلى هويته، ولكنْ أيضاً، لا عزْل له بِهويته المستقلَّة عن دُول مُحيطه والجوار، ولا تَقَوقُعَ في هويّته المستقلّة بدون انفتاح على هويات الآخرين إنّما من دون الذوبان فيها أو بها أو معها في هويات ضائعة جَماعية.
وإنكم، بتحرككم هذا، أعدتُم المعاني الحقيقية إلى كلمات الحرية والسيادة والاستقلال، بعدما كانت، قبل تَحرككم، كلاماً يتغرغر به معظم السياسيين، باسم الديمقراطية، حتى فقد معناه وبات كلاماً معلوكاً جاء وقتٌ لم يعُد فيه يصدّقهم أحد، وباتت الديمقراطية معهم قناعاً أو غطاءً أو تَمويهاً لاستزلامهم المشبوه.
وإذا حققتم هذا التمسُّكَ بالهوية والحفاظَ على الانفتاح من ضمن كرامة هذه الهوية واستقلالها وسيادتها، حُقَّ لكم فعلاً أن تقولوا لآبائكم وجيل آبائكم: “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”. هكذا تكونون تُجسّدون الانصهار الوطنيَّ الفعليَّ العمليَّ الميدانِيَّ الذي كم سَمعناه تنظيراً تنظيرياً لا يعمل له أحد، حتى جئتُم وتعانقتُم وتَخاصرتُم وتَكاتفتُم وتعارفتُم من كل لبنان، فحقَّقْتُم هذا الانصهار الوطني الحقيقي من كل لبنان في كل لبنان إلى كل لبنان.
ولكنْ… واصلوهُ هذا الانصهار: زوروا بعضكم بعضاً في مناطق بعضكم البعض، قوموا بسياحة داخلية وتعرّفوا إلى كل لبنان وتعارفوا في كل لبنان، ولْتَجْمَعْكُم أرضُ لبنان في كل لبنان، ولا تفصُلَنَّكُم بعد اليوم مناطقُ وفئاتٌ وفئويات، فلن تُحبّوا لبنان إن لم تعرفوه، ولن تعرفوه من الكُتُب والخُطَب بل بزيارته كلِّه فتكتشفون معالِمَه التاريْخية والجغرافية والآثارية والبيئية والطبيعية، وتَذوقون بعيونكم وعقولكم ومدارككم ميدانياً ما هو لبنان وكيف هو لبنان.
تَوَحَّدوا في جامعاتكم ومدارسكم ومؤسساتكم اتّجاهاً واحداً، متنوعاً ضمن الاتّجاه الواحد، ولا تتخرّجوا وتُهاجروا غرباء في بلاد الغرباء، بل تَخرّجوا واخرجوا من باب جامعتكم إلى بوابة وطنكم وجِدوا أنتم فُرَص العمل ولا تتّكلوا على الدولة فهي نفسُها لا تَجد لها فرص عمل. إعملوا في وطنكم بِما لا تَخجلون القيام به في وطن الغرباء فلماذا لا تقومون به في وطنكم. ليس عيباً أيُّ عملٍ تقومون به في وطنكم وتقومون به بعيداً عنه في الخارج.
ليس تنظيراً مَجانياً هذا الكلام، فأندادُكم في دول العالم يقومون بأي عمل في بلدانهم بانتظار الفرص المؤاتية، لأنهم حريصون على التمسُّك بوطنهم، كما أنتم صحوتم اليوم على لبنانكم. ولْيَحْيَ لبنان بكم: مستقبَلاً لا يُخطّط له الغير، ولا ترسُمه الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى، بل تنحته أيدي شبابه وصباياه: وطناً قوياً متضامناً متماسكاً جديراً بالفجر الجديد الذي يُطل عليه اليوم… صباحاً يومياً لكل يومٍ آت إلى مستقبل لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*