الْحلقة 237: الْموسيقى الكلاسيكية وثقافة المستمعين
(الثلثاء 11 كانون الثاني 2005)
يَحدُث، غالباً، بعد حلقةٍ من “نقطة على الحرف” تتناولُ موضوعاً حياتياً أو معيشياً أو بيئياً، أن يتّصل بي أصدقاءُ مستمعون يعلّقون مهنّئين أو رافضين أو منتقدين أو عارضين أفكاراً ومشاهدات.
لكن مفاجأتي السعيدة كانت (بعد حلقتَيَّ الأسبوع الماضي عن الحاجة الى بث ساعاتٍ من الموسيقى الكلاسيكية في الإذاعة، مع شرحها والتعريف بها وبمؤلفيها) أن يتصل بي مستمعون، بعضهم مثنياً على الفكرة، والبعض الآخَر عارضاً خدماته للإذاعة بإعداد هذه البرامج وتقديمها والتكفُّل بتحضير المؤلفات الموسيقية وإعداد معلوماتٍ عنها وعن مؤلفيها.
وهذا الأمر، عدا حميّة المتصلين واندفاعهم المشكور، يشير الى أنّ في شعبنا مساحةً واسعةً من المستمعين الذين يطلبون من إذاعتهم المفضّلة “صوت لبنان” أن تبُثَّ لهم فتراتٍ، ولو محدودةً في البداية، من الموسيقى الكلاسيكية، خارج إطار أيام الحداد الرسمي الذي يفرض فرضاً على الإذاعات بثّ الموسيقى الكلاسيكية.
وهذا دليلُ عافيةٍ مفرِحٌ في صفوف شعبنا، يدلُّ على أنّ في شعبنا نُخَباً مثقّفةً صامتة، وليس معظمُ شعبِنا من مستهلكي هذه الموجة الرخيصة من الهرج والمرج والفوضى في معايير الغناء والكثرة الزبدية من جحافل المغنين والمغنيات ممن يملأُون إعلانات الطرقات بصورهم و”بوزاتهن” وحفلاتهم ومواعيدهن في المطاعم والفنادق والقهاوي، وما يفيض عن المطاعم تتولاه محطاتنا التلفزيونية التي تملأ سهراتنا رغْوَةَ برامج غنائية واستعراضية وفنية تزيد من مساحة الجهل والجهالة والتجهيل في صفوف شعبنا وخاصة في صفوف جيلنا الجديد الذي بات مَخروعاً بتفاهات الشاشات التلفزيونية الرخيصة.
فشكراً للمتصلين المتنوّرين من شعبنا. سأنقل رغبتهم الى إدارة الإذاعة، فتبقى “صوت لبنان” كعادتها سبّاقةً الى كل راقٍ جديد، وشكراً لمن يُحبّون هذه الساعات الإذاعية الراقية. إنهم خميرة الجيل الجديد الذي إذا نشأ على الموسيقى العالية الراقية العظيمة، نظُف رأْسه من الغلط والتفاهة، وهيَّأَ للبنانٍ جديدٍ لا تلوّثه نفايات “بيت بو سياسة” بل معافى بشرايين الحضارة.