الحلقة 151: حاضرةُ الفكر بيروت… وحاضرةُ الشعر زحلة
(الإثنين 13 أيلول 2004)
منذ مطلع الستينات وهو كاهنٌ عرّافٌ في “دلف” الشِّعر، حتى مَجموعتَيه الأخيرة قبل أيام، وهو يواصلُ مسيرته الشعرية باسْم الشعر الشعر، لا زيفَ فيه ولا ركوبَ موجةٍ ولا انقياداً إلى موضةٍ، بل تَعَمُّقٌ في نَحت القصيدةِ، جمالياً على قيمٍ، إبداعياً على تفتيت الصعوبة حتى الإيْهام بالسهل المُمْتَنِع، لتخرجَ القصيدة بَهِيَّةً سنيّةً جليةً بالجمال، تتقدّم من قارئِها وهي بآنَقِ حلَّةٍ من النصاعة.
هذا هو جوزف غصين، الشاعر الزحليُّ المترهبن للشعر من مطالع صباه، والمتنسِّكُ للتدريس سنواتٍ بذر خلالَها في الجيل الجديد فضائل القيم الجمالية الأدبية العالية.
وفي مَجموعَتي جوزف غصين الجديدتين، خطٌّ يتصِّلُ بتلك المبادئ الأدبية الراقية.
إحداهما: “حاضرة الفكر بيروت، وحاضرة الشعر زحلة”، وهي من قصيدتين طويلتين، الأولى عن بيروت، يمرُّ فيها، وبأيّما أناقة تعبير، على بيروت حاضرة الدنيا، حاضرة الفكر ومدارج الجمال، وعلى فرادة بيروت والحروب في بيروت، وعلى شعب بيروت وصولاً إلى صرخة أنّ بيروت لا تَموت. وفي القصيدة الأُخرى يَمُرُّ الشاعر على زحلة مدينة الشعر والوفاء، زحلة النهر الهدار، زحلة الكروم التي تسوِّر السفوح والقمم، زحلة المُلْهِمة، زحلة الملجأ والعطاء، زحلة هموم المجد والبطولة، زحلة معرض الجمال، زحلة الشعر والانتشار، وزحلة الحبيبة الغالية.
وفي المجموعة الثانية “الى شقراء” أربع قصائد، إلى أربع شقراوات، تتقطّر غَزَلاً من الأشفِّ والأرَقِّ والأبْهى في ما يقال لِحسناءِ ذات دَلٍّ وغوى، فتتنافس الأربعُ القصائدُ بالحسِّ الشِّعري الراقي.
جوزف غصين، في مَجموعتَيْه الجديدتين، ركنٌ من شِعرنا اللبناني، بزغ في زحلة، وفاض في قصائده على شعر لبنان، الشعر الراقي بالكلاسيكية الجمالية الراقية، فازدادت في شعرنا اللبناني منابعُ الجمال، ولا يُمكن أن يبقى على الزمان، إلاّ شعرٌ طالعٌ من دلف الجمال.