الحلقة 116 – خواطر غير عربية حول جورج شحادة
(الاثنين 26 تموز 2004)
وأنا أُتابع، أول أمس السبت، عرض “مهاجر بريسبان” في تلك الليلة القمرية بين هيكلَي جوبيتر وباخوس في بعلبك، كنتُ مشدوداً جداً الى سيطرة المخرج نبيل الأَظنّ على الخشبة، وإبداعَ سائرِ من وما أمَّنَ لهذا العمل الرائع حضوراً رائعاً يضاف الى نجاحات ريبرتوار مهرجانات بعلبك.
غير أنني كنتُ مشدوداً أكثر الى سؤال مُلِحّ: ماذا لو كان جورج شحادة، عام 1963، كتب هذا العمل بالعربية أو باللبنانية؟ ولم يكن يعود لي غير جواب واحد: لوكتبها بالعربية (أي بالفصحى) لكانت نُفِّذت في لبنان لبضعة عروض، وفي بعض مهرجانات المسرح العربية لبضعة عروض، ثم نامت في أدراج جورج شحادة والممثلين، أو على رفوف المكتبات لو كانت ستصدر في كتاب. أما لو انه كتبها باللبنانية (أي بالعامية كما يحلو البعض ان يسميها) لكانت نُفّذت في بيروت لبضع أمسيات، ونامت حتى يستفيق عليها هواة في قرية أو بلدة أو معهد فنون ونفذوها لحفنة من جمهورٍ في معظمه غير مثقف مسرحياً، ولنامت من جديد في الدُّرج الذي خرجَت منه.
أما وجورج شحادة كتبها بالفرنسية، اللغة العالمية، فحظُّها من العالمية كان أسرع من افتتاح ستارة، إذ هي تُرجِمَت فوراً الى عدد كبير من اللغات العالمية الأُخرى، وطُبِعَت بهذه اللغات، ونُفِّذت وتُنَفَّذ بهذه اللغات على أكبر مسارح العالم، ما أمّن لكبيرنا جورج شحادة مساحته العالمية.
هذا لا لأُقلّل من أهَمية العربية أو اللبنانية والإبداعات فيهما، بل لأتحسّر على أقلام مسرحية أصيلة ومبدعة من عندنا تنتج روائع مسرحيةً لا تقل أبداً عن أيّ مستوى عالمي عالٍ، لكنّ وجودها في هذه البقعة التاعسة من العالم، تجعل إنتاجها مهمّشاً، إلاّ متى عمل هذا الإنتاج هو نفسه على ترجمة نصوصه الى اللغات العالمية كي يطّلع العالم على إبداعٍ من عندنا، لو كان بلغاتٍ عالمية لكان العالم طرق بابنا كي يشرّع أمامنا نوافذ التحليق الى العالمية البعيدة.