الحلقة 109: يتخرّجون… يربحهُم سوانا ونخسرهم نحن
(الخميس 15 تَموز 2004)
كم جميلٌ أن نتغنّى في أحاديثنا وخطبِنا وقصائدنا بأن لبنان المنتشر في العالم أضعاف أضعاف لبنان المقيم.
وكم مُحزنٌ أن نستنتِجَ بأن أدمغةً لبنانيةً يتخرّجُ أصحابُها من أبنائنا هُنا ثُمَّ يَجدون لَهُم فُرصَ عملٍ في الخارج، في دولٍ عربية قريبة أو دولٍ أوروبية وسيطة أو ولاياتٍ أميركيةٍ بعيدة فنخسَرُهُم نحن وتربحهُم هذه الدول، ويبرعون فيها فلا يجيئهم منا إلاّ التغنّي بأنهم أبناءُ لبنان أو من أصلٍ لبنانيّ.
المطلوب، يا دولة، يا هذه الدولة، غيرُ ذلك تَماماً. ففي كُبريات الدول يتلقَّفُ القِطاعُ العام على الأقل ثلث المتخرّجين كُلَّ عام من أجلِ إغناء هذه القطاع العام بأدمغةٍ جديدة ومواهب جديدة تَجعلُ قطاع الدولة هو الأقوى وهو المسيطر فلا تعود في كنف الدولة دُوَيْلات قطاع خاص تتحكَّمُ بها وتَشُدُّها شداً إلى الخصخصة إنقاذاً لها من اهتراء أجهزتها ومن التعتير في إنتاجيتها.
فكيف يَتمُّ لنا ذلك، والدولة عندنا منذ فترةٍ طويلة أوقفت التوظيف في القطاع العام من الفئة الأولى إلى العمّال والسائقين في البلديات؟ وكيف يتجدَّد دمُ القطاع العام عندنا طالما فيه فائضٌ من الأزلام والمحاسيب لا تعرف الدولةُ كيف توزّعهم ولا كيف تتصرّف بِهم، وهم يقضمون معاشاتِهم من خزينة الدولة ولا يعملون، بينما طلاّبنا الأكفياء المتخرجون يبحثون عن عملٍ لهم خارج لبنان.
فكيف يمكن يا دولة، يا هذه الدولة، أن نخسر أبناءنا المتخرجين لفقدان فرص العمل أمامهم هنا، وفي دوائر الدولة فائضُ موظفين عاطلين عن الخدمة إنّما غير عاطلين عن قبض المعاشات؟
وكيف يُمكن يا دولة، يا هذه الدولة، أن نمنع أبناءنا الجامعيين المتخرجين من الوقوف صفوفاً كالشحّاذين على أبواب السفارات أملاً بانفتاح باب أمامهم، وهم يعرفونَ سلفاً أنّهم سيقفون كالشحّاذين أمام المتنفذين في الدولة ولن ينفتح أمامهم أيُّ باب؟
بلى، هذا هو الواقع المرير يا دولة، يا هذه الدولة، نعيشه مع أحبابنا وأبنائنا الجامعيين المتخرجين الذين يتخرّجون… يتخرّجون فيربحهم سوانا ونخسرهم نحن، ولن يعودَ في غيابِهم يفيدُنا البكاءُ وصرير الأسنان.