الحلقة 101: جمهورنا والأوبرا وبيت الدين
(الاثنين 5 تَموز 2004)
في طريقي الى بيت الدين، مساء الْجمعة الماضي، لِحضور رائعة بوتشيني الأخيرة أوبرا “توراندوت”، كان يشغلني سؤال: “كم سيكون عدد الْحضور الليلة، وجمهورُنا ليس جمهورَ أوبرا، وشعبُنا مَحرومٌ في تلافيزنا الْمثقفة جداً من أعمال أوبرا كي يتثقف بهذا الفن العالي.
غير أنّ مفاجأتي السارة كانت حقاً سعيدة، حين اكتظت مقاعد مدرّج قصر بيت الدين بكثافةٍ غفيرة، تعدّت الثلاثة آلاف مُشاهد، جلسوا يتابعون الأوبرا الصينية الْمضمون، الإيطالية النص، الإنكليزية الترجمة على شاشتين كبريين، متمتعين بالقصة، متابعينها باهتمام، متذوقين موسيقاها غير مصفقين إلاّ في الوقت المناسب، مقدرين كوريغرافياها، مستمتعين بديكورها وسينوغرافياها، تماماً كأيّ جمهورٍ غربي في تراثه الأوبرا والأعمال الكلاسيكية الكبرى.
الشاهد من هذا الكلام، أنّ جمهورنا اللبناني ثقيف، ذواقة، يقصد الأعمال الفنية العالية، بدليل آلاف من قصدوا العام الْماضي مهرجانات بيت الدين وبعلبك وصور وبيبلوس، لِمشاهدة روائع الأعمال العالَمية، وبدليل الْجمهور الكثيف الرائع الذي يداوم باستمرار على حضور أمسيات الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، بكاملها للموسيقى الكلاسيكية وببعض عناصرها لِموسيقى الحجرة، وأمسيات الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، وهو جمهور غامر وليد غلمية قبل أربع سنوات في التوجه له، فأصبح اليوم يضيق به الْمكان لازدياد العدد ونقصان الْمقاعد.
الشاهد: حين نقدم لِجمهورنا مستوى فنياً عالياً، يقصده جمهورُنا الثقيف. فلْيفهم مقاولو الفن السخيف عندنا أن قلة قليلةً من جمهورنا تتلقى ما يهذي به صيصان الْمطاعم وما تصوصي به دجاجات الْقهاوي والفنادق، وأن اللافتات الترويجية الكبرى على نواصي الطرقات لا تعني أن جمهورنا “عاوز كده”، بل تعني أن بعضَ جمهورنا أمّي، ومعظمَ جمهورنا مثقفٌ واعٍ يرفض الأعمال الغنائية التافهة، تلفزيونيَّها والْمسرحي، ويقصد الأعمال الكبرى يغنى بها ويتثقف، ويلحق بها الى أقاصي بعلبك وصور وبيت الدين.