الْحلقة 56: وقاحة رنين الْخَلَوي في الأمسيات الثقافية
(الاثنين 3 أيار 2004)
يكاد الْجميع يصرخون: “كْعينا”. والْجميع، هنا، أعني بِهم منظّمي الْحفلات والأمسيات الثقافية ومديري الْندوات والْمؤتَمرات والاجتماعات والْحلقات الفكرية والأدبية والشعرية، والكونشرتوات الْموسيقية، والمسؤولين عن صالات الْمسارح والْمعارض والْمحاضرات، وجميع الذين ينبّهون الى إطفاء أجهزة الْخَلَوي، ويضعون اللافتات، بكل اللغات، مستعملين اللطيف من الكلمات، والصوَر والرموز والإشارات، لإطفاء جهاز الْخلوي،… ومع ذلك يظل في القاعة من يتواقح ويترك جهازه مفتوحاً.
هذه وقاحة أُولى. الوقاحة الثانية حين يرِنّ جهازه ولا يطفئُه بل يتركه مفتوحاً ولو لم يُجب. الوقاحة الثالثة حين يرنُّ جهازُه فيفتحُهُ ويُجيب. الوقاحة الرابعة حين يروح يُجيبُ بصوتٍ مرتفعٍ يلفت الْجميع حوله الى وقاحته وثقل دمه وقلة أخلاقه وصلافته وفظاظته. الوقاحة الْخامسة حين يرنّ جهازه فيقوم ماشياً الى الْخارج وبادئاً بالتحدّث وهو يَمشي كي لا يُضيع على مهاتفه لَحظةً واحدة من الوقاحة.
والوقاحة السادسة والعاشرة والْمئة والألف، أن يرى اللافتة بإطفاء الْخلوي، ويسمعَ مدير الاحتفال يطلب إطفاء الْخلوي، ويُبقي على جهازه مفتوحاً.
وليس لترك الْجهاز مفتوحاً أيُّ تبرير. فكيف كان هذا الْحنشليل نفسه يتصرّف بالأمس قبل أن يَحمل هاتفاً خليوياً؟ وما الذي يَحشره اليوم كي يَحمل هاتفاً خلوياً ويُبقيه مفتوحاً في أمسية موسيقية أو مسرحية أو أدبية؟
ما الذي؟ ليس له سوى تبريرٍ واحد: الوقاحة، وقلّة الذوق، وقلّة الأخلاق، وقلّة الأدب، وقلّة الْحشمة، وكثرة ثقل الدم والْهرقة والفظاظة والغلاظة.
والذي يكون بهذه الصفات السوداء، لن ينفع فيه تنبيه شفوي على منبر، ولا رسم على حائط يرمز الى إطفاء الْخلوي.
لن ينفع فيه سوى صوت راعدٍ يصدر من القاعة، ينهره بكل صراحة: “أطفئ جهازك يا وقح”.