الْحلقة 53: إدفيك شيبوب سنواتُ الضوء في تراث لبنان
(الأربعاء 28 نيسان 2004)
الخامسة بعد ظهر اليوم، احتفالٌ كبير في الْجامعة اللبنانية الأميركية، بدعوةٍ وتنظيمٍ من “مركز التراث اللبناني” فيها، احتفاءً بكبيرتنا الغائبة إدفيك شيبوب، لِمناسبة مرور خمسين عاماً على صدور كتابها الأول “بـوح”.
في آخر لقاءٍ لي معها، أواسطَ آب 2002، على شرفة ابنتها سناء في بعبدات، قالت لي بِخوف: “بدأْتُ أنسى عناوينَ كتبي. يسكنني الْخوف من فقدان ذاكرتي”. أرعبني هذا الكلام. رحتُ أُواجهه باستقراء ذاكرتها العميقة: “إدفيك، ما أقربُ القصائد الى قلبِكِ”؟ وبدون تَرَدُّدٍ راحت تُتَمْتِم: “غَنِّ… أُحِـبُّكَ أن تُغنّي… وتُحَدّثَ الأطيابَ عني”.
بعدها بأقلَّ من شهر، كنا نودّعُها الوداعَ الأخير.
يومها، أضمرْتُ أن أنزعَ منها، ولو في غيابِها، خوفَ فقدان الذاكرة، وأن يستمرَّ أدبُها حياً بعدها، وحضورُها نابضاً معنا، نَحن الذين عرفوها، أو عاصروها، أو كانت لهم معها ملامحُ ذكرياتٍ تَشيلُ بالذاكرة اللبنانية الى البهاءِ النضِر.
وما سوى ذلك يليق الاحتفاء بإدفيك شيبوب، البنفسجةِ الْحَيِيَّة التي علَّمَتْنا: بانْحناءَتِها كيف يكونُ شموخُ النبل، وبِحديثها الطويل الى يوسف الْحويّك كيف كان جبرانُ الإنسان عارياً من الأسطورة، وبتحقيقاتِها عن الْحِرَف الشعبية في لبنان كيف تكونُ الْحِرَفُ صوتَ الأيادي التي عمَّرَت وغابت، وبِجَهدها الصامت ونشاطِها الْجدّي كيف يكونُ الصدقُ هو الأنقى والأبقى والأرقى في حِرفة الأدب واحتراف الْحياة، وبأدبها العالي كيف تكون الْمرأة لَمعة الْحب العالي، ما حثَّ سعيد عقل على القول: “كانت الْمرأةُ في لبنان موضوعَ وحْيٍ، وكان القلَمُ النَّسَوي ليُعشَقَ لا ليَعشَق، حتى كانت إدفيك”.
إدفيك شيبوب، التي كان تبُثُّ الضوءَ من صوتِها في إذاعةِ لبنان، يتذكَّر أيامَهم معها مَن يبثونها الوفاء: إدمون رزق، إملي نصرالله، فريد سلمان، الساعة الْخامسة بعد ظهر اليوم في الْجامعة اللبنانية الأميركية (ليو) بدعوةٍ من مركز التراث اللبناني.
اليوم نتذكَّر إدفيك نَجمةً مبارَكةً من سنواتِ الضوءِ في تراثِ لبنان.