الحلقة 34 : ذاكرتُنا اللبنانية في مؤسسة المحفوظات الوطنية
(الخميس أول نيسان 2004)
كم كان طافحاً بالاعتزاز شعورُنا مساء أمس الأربعاء، ونحن نصغي الى رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة المحفوظات الوطنية فؤاد عبيد، محاضراً في موضوع “وطنٌ لا يحفظ ذاكرته… ينتهي وطناً في الذاكرة”، مدعُوّاً من مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU.
اعتزازُنا أمس كان مزدوجاً: أولاً بما اكتشفنا من كنوزٍ لدينا هي في نسيج ذاكرتنا اللبنانية التاريخية والأدبية والصحافية والسياسية، وثانياً بما اكتشفنا من تقنيةٍ في حفظها وحرصٍ على عرضها للملإ اللبناني، فيكتشف ما لدينا وينقل الى جيلنا الجديد المخروع بالغرب وموَض الغرب وصرعات الغرب، أنَّ له، هذا الجيل الجديد، وطناً مجذّراً في التاريخ، قديمِه ووسيطِه والحديث، كم علينا أن نربّي جيلنا الجديد على استحقاق مجده العريق.
وما يعمل له فؤاد عبيد، انطلاقاً من وعيه أهميةَ تراثنا المكتوب والمحفوظ، وما يجهدُ له من حرصٍ على جمعه وعرضه وترميمه وتسجيل ضائعه والبحث عن مفقوده، يجعلنا نشعر بأنَّ في مؤسساتنا العامة لبنانيين جديرين بالائتمان، حين الأمانةُ لا تسدى إلاّ لمستحقيها.
فمن صور تذكارية لبيروت القديمة ولبنان القديم، الى صحف قديمةٍ أسست من لبنان للصحافة العربية، الى مخطوطات قديمة وكتب نادرة، الى وثائقَ ثمينةٍ تحسر عن ماضٍ لنا فريدٍ في حضوره، الى بطاقات بريدية وطوابعَ نادرة، الى وسائل حفظ وترميم وتصوير وتسجيل تعمِّر لنا ماضياً يعتزّ به المستقبل، جميعها، وسواها من مؤسسة المحفوظات الوطنية، انكشفت مساء أمس الأربعاء لجمهورٍ ثقيف أَمَّ الجامعة اللبنانية الأميركية الى مركز التراث اللبناني فيها، ليشهدَ على صفحةٍ مجيدةٍ أخرى من تراثنا اللبناني العظيم، محجَّةً أُخرى على طريق السعي الدؤوب والحثيث (وقبل فوات الأوان على يد جيل جديد جاهل) السعي الى احتضان تراثٍ لنا عريقٍ مجيدٍ، والإيمان، بحسب تعبير فؤاد عبيد نفسه، أنّ “وطناً لا يحفظ ذاكرته، ينتهي حتماً وطناً في الذاكرة”.
وما أتعسَ وطناً يستقيل من الفعل المضارع، فلا يعود صحيحاً تصريفُهُ إلاّ بالفعل الماضي.