577: فَـليـَـتـَـفـَـتـَـتْ “حجرُ الصّبر”

فَـلْـيَـتَـفَـتَّـتْ “حَـجَـرُ الصّـبـر”
السبت 27 كانون الأول 2008
– 577 –
في الأسطورة الفارسية القديمة أن “سِنگِيه صابُور” (“سِنگِيه”: حجر، “صابور”: الصبر) هو “حجر الصبر” الذي يضعه أمامهم تائبُون ويائسُون وحَزانى يُفرِغون صامتين أمامه حزنهم ويأْسَهم وندمَهم وتوبتَهم ومآسيهم وعذاباتِهم وآلامَهم ويسارِرُونه عميقاً بِما لا يُمكنهم فعْلُه مع أيّ شخص آخر، والحجر السحري يُصغي ويَعُبُّ في صمته كلّ ما يُفضَى إليه من أسرار حميمة، كما تعبُّ الماءَ الإسفنجة، حتى إذا امتلأَ كلّياً، انفجَرَ وتفتَّت تَماماً فارتاح مسارروه تَماماً وآلوا الى الشفاء من أوجاعهم.
هذه الأُسطورة التي بنى عليها الكاتب الأفغاني الشاب عتيق رحيمي (46 سنة) روايته الأخيرة “سِنگِيه صابور” ونال عليها (في 10/11/2008) جائزة “غونكور” الفرنسية الكبرى، لعلّها المثال الأنصع لبلوغ الغاية.
ليس جديداً ما في تلك الأُسطورة من اعتماد رموزية الحجر مَحطّاً للتوبة والندم والصلاة. فالإنسان منذ فجر الزمان نصب الحجر رمزاً مَهيباً ومُهاباً للعبادة والتوبة والتأمّل والاستجماع والطواف والوقوف: من أصنام الجاهلية، الى تماثيل بوذا، الى حائط المبكى، الى الحجر الأسود، الى أثر القدم ليلة الإسراء والمعراج، الى هيبة سور الصين، الى تقديس التماثيل وتقديم النذور لَها في العهود المسيحية، ما يشير الى علاقةٍ للإنسان بالحجر الأُعجوبي كانت، منذ أقدم الميثولوجيات والأديان، رمزاً لاستجماع الأفكار والنوايا.
الى أين من هذا الطرح؟ الى ضرورة أن يكون لنا في لبنان “حجر الصبر” يؤول إليه اللبنانيون. فما بَلَغوه من “سَدوم” (في تَجاذباتِهم وانقياداتِهم وقياداتِهم وانقيادهِم وراء سياسيين متشنجين شخصيين – شخصانيين في شخصهم أو انقياديين بدورهم الى الخارج) بات يستوجب إعادةَ نظرٍ كاملةً في ما نَحن إليه، وإلاّ فنحنُ مقبلون على “سدوم” جديدة سينهمر عليها مطرُ النار ويُحرِق ما فيها ومن فيها.
التوبة!! لعلها أكثر ما يَحتاج إليه شعب لبنان اليوم عند “حجر الصبر”.
التوبة على ضلالهم وراء مضلّلين. التوبة على انقيادهم الأعمى وراء قادة لم يُحسنوا قيادة الوزنات فلم يَجعلوا الوزنة خمساً ولا عشراً، بل فرّطوا بِها فاندثرت بين أيديهم وتفرَّقَت نُتَفاً مبعثَرةً تائهة ضائعة ضعيفة شرّدت مَن فيها وما فيها.
الإلحاح اليوم: توبةُ شعب لبنان على أنّهم كانوا قطعاناً وراء ساسة لم يُحسنوا السياسة فساسوا الشعب لِمصالِحهم الفردية القبائلية العشائرية الزبائنية الاصطفافية الاستزلامية، ولم يقودوه الى استقلال بناء دولة يكون فيها كلُّ مواطن صاحبَ حق يؤدّي واجبه من دون أن يكون له لُجوء الى زعيمه أو قائده أو نائبه أو وزيره أو رئيسه “المفدّى” لبلوغ حقوقه المشروعة.
الى أين من هذا الطرح؟ الى استحقاق مفصليّ جوهريّ أساسيّ نَحن مُقْبِلون عليه بعد أسابيع قليلة (في أيار المقبل). فليكن صندوق الاقتراع هو “حجر الصبر” الذي يستجمع عنده اللبنانيون اعتراضاتِهم ومآخذَهم على نظام مهترئٍ زبائني عشائري متخلِّف متحجِّر على صورة واضعيه وسائسيه، حتى يتفتّتَ هذا الحجر (النظام الزبائني) فينفجرَ هو ويَخْلُصَ اللبنانيون.
الصوت في صندوق الاقتراع ليس ورقةً جامدة، بل هي صوتٌ حيٌّ صارخ بالحقوق، قادرٌ على أن يفتت”حجر الصبر” انتقاماً من كل ماضٍ قريب ووسيط وبعيد كان الصوتُ فيه ورقة بلهاء في حساب سياسي يعتبر الناس أعداداً وأرقاماً لديه.
الانتخابات المقبلة فرصة الشعب كي “يكون”. وعشية هذا العام الجديد (2009) المقبل علينا بعد أيام، فليستجمع اللبنانيون كلّ ما لديهم من مآخذ وغضب واعتراض، وليتهيَّأُوا ليُفْضُوا بِها الى “حجر الصبر” كي يَعُبَّها ويَمتلئ بِها حتى ينفجر، وبانفجاره يتفتَّتُ كلّ الماضي ويرتاحُ الحاضر اللبناني الى مستقبل يبني دولةً لا عشيرة.
وعندها يتحرَّر الشعب، ويَخْلُصُ لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*