ذاك الإفطار الرمضاني في حريصا
السبت 29 أيلول 2008
– 565 –
وسط وُحُول التشُّنجات السياسية والطائفية والمذهبية التي يتصارع على حلبتها السياسيون، دعانا “لقاء الاثنين” (مؤسسُه نُهاد الشمالي في سهيلة – كسروان) الى مأدبة إفطار رمضانية في “بيت عنيا” (حرم بازيليك سيدة لبنان في حريصا).
وإذ يبدو لافتاً (وكم سعيداً !!) أن نُدعى الى إفطارٍ عند معبد “سيدة لبنان”، على أمتار من الصرح البطريركي في بكركي، بدا رائعاً أن يَجتمع في قاعةٍ واحدة الى طاولات الإفطار أقطابُ المقاصد وصندوق الزكاة (دار الإفتاء) ومدارس العرفان والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية واللجنة الشبابية للحوار الإسلامي المسيحي والحركة الثقافية (أنطلياس) ومدارس المهدي ومؤسسة “أمل” التربوية والمدرسة الوطنية التنوخية والمركز الإسلامي (عائشة بكار) والمجلس الثقافي لبلاد جبيل ونادي عاليه وملتقى الحوار الثقافي، في جـوٍّ تَقَويٍّ من القرآن الكريم والإنجيل المقدَّس، وفي أجواء الاحتفالات باليوبيل المئوي الأول (1908-2008) لتشييد “مزار سيدة لبنان” وارتفاع تِمثالها العالي (فاتِحةً يديها لتضمّ كلَّ لبنان المقيم والمنتشر) برعاية البطريرك الياس الحويك يومها (سيّد لبنان الكبير).
هذه البادرة من “لقاء الاثنين” (والاثنين هنا لا علاقة له بيوم الاثنين، بل هو رمز التقاء شخصين من كل لبنان) بدأَت منذ سبع سنوات حين بادر الـ”لقاء” الى جمع تلامذة معهد عينطورة وتلامذة المقاصد الإسلامية في إفطار سنوي كان فرصة لهم فتعارفوا وبنوا في ما بينهم صداقاتٍ امتدَّت معرفةً الى أهاليهم في ما بينهم، نواةَ لقاء لبنان بلبنان من كلّ لبنان في كلّ لبنان.
وتوسَّع التبادل الطلابي واللقاء بين مدارس لبنان الى لقاء الأقطاب والأعلام من طوائف لبنان في كل لبنان، وها الإفطار في رمضان الكريم، شهر المحبة والسماح، يترجمه هؤلاء الأقطاب (سابقاً في معهد عينطورة وهذا الأُسبوع في حريصا) محبة وسماحاً في إفطار رمضاني بين يدَي مريم التي لها في سُوَر القرآن الكريم وآياته مثلُ ما لَها في الإنجيل المقدّس من تكريم وإجلال.
أَبعد من التشدُّق المعلوك بأن “لبنان لا يعيش إلاّ بِجناحيه المسيحي والإسلامي”، وأبعد من تكرار القول الصدئ بـ”التعايش والعيش المشترك”، تبقى ترجمة القولَين فعلياً لا تنظيرياً (كما فَعَلَ “لقاء الاثنين”) أبلغ بكثير من الحكي الاستهلاكي الذي يركب موجتَه السياسيون بينما في الشارع يعملون عكسه سراً.
أبداً: مش صحيح أنّ في لبنان عيشاً مشتركاً (هل نحن قبائل تعيش مؤقتاً مع بعضها البعض؟)، ولا أن في لبنان تعايشاً (هل من إرغام للعيش مع بعضنا البعض تعايشاً اصطناعياً؟). الصحيح أن في لبنان عيشاً واحداً لعائلة واحدة متعدِّدة الأطراف والمذاهب والميول والالتزامات، غير أن لها جذعاً واحداً. وما أغنى الشجرة المتعدّدة الفروع والأغصان، مهما علت واستطالت ونأت فروعها والأغصان، وما أتعس الشجرة الضئيلة الفروع والأغصان لأن وقوفَها هشٌّ ومهدَّد بالانكسار عند أول عاصفة.
وهكذا لبنان: سنديانة علت أغصانُها من جذور مُختلفة لكنها توحَّدت في جذْع واحد تفرّعت منه فروع وأغصان ذاتُ عائلات روحية ودنيوية تدين بوفائها لِجذورها وبالولاء لِجذعها الوحيد: لبنان.
طوباويٌّ هذا الكلام؟ أبداً. ليس غريباً إلاّ على المسيَّسين والسياسيين. نحن، الشعب اللبناني الواحد الموحَّد، نَجده طبيعياً جداً وضرورياً جداً، ونرفض مقولة “التعايش والعيش المشترك”، ونلتزم بـ”العيش الواحد الموحَّد الوحيد في ظلّ أرزة جامعة”.
أيها السياسيون اللبنانيون: تشبَّهوا بـ”لقاء الاثنين”، وأريحونا من مباطحاتكم ومبارزاتكم. إن الشعب الذي أطاح يوماً بوابة الباستيل، لَم يعد بعيداً عن أبواب بيوتكم العامرة.