539: ما أنبل لبنانَكِ اليابانيّ !!

ما أنبل لبنانَكِ اليابانيّ !!
السبت 22 آذار 2008
– 539 –
الثلثاء 11 آذار الجاري (2008) وقفت الشاعرة اليابانية كيكو كوما على المسرح الوطني الكبير في طوكيو، يرافقها الموسيقار إيداكي شِن، وقدّمت أمسية شعرية موسيقية كاملة عن لبنان “تَحيةً الى لبنان الشعب الحيّ والأرض الحضارية، دعماً للسلام فيه، على رجاء إيجاد الحلول العادلة لمنطقة الشرق الأوسط والعالم”.
من سنواتٍ، وهذه الشاعرة تغنّي لبنان وحضارته منذ الفينيقيين. ومن خوفها عليه، حين انْهال العدو الإسرائيلي بوحشيته التاريخية ينهش أرض لبنان في تموز 2006، قامت كيكو بِجولة أحيَت خلالها 15 حفلة شعرية موسيقية في 15 مدينة يابانية ورصدت ريعَها جميعها لِجنوب لبنان، هذا الجنوب الحبيب في أرضنا، الغالي الذي، حين وقفَتْ على أرضه المقدسة في أمسيتها “حوار الثقافات” (مدرج صور الروماني- 26 آب 2005)، صدحت بأُغنياتٍ من كلماتها وموسيقى إيداك شِن، مَجّدت حضارة صور وصيدا والواحات الفينيقية التي ينهمل منها لبنان.
ولِماذا صور؟ ولِماذا لبنان؟ ولماذا هذا الشغف بالفينيقيين؟ قالتها بكل بساطة، إنها قبل بضعة أعوام جاءتها رؤيا في الحلم أخبرتْها أن اليابان، قبل ستة آلاف سنة، كانت على علاقة مع الساحل الفينيقي، فنذرَت أن تكرّس شعرها وأمسياتها الموسيقية الشعرية لهذه الحضارة التي ترى فيها “ضرورة المصالحة مع الماضي كي نفهم الحاضر ونُخطط للمستقبل”. ووجدَتْ أن الأفكار الكبيرة تتلاقى، والمنجِزين الكبار يتلاقون كي يُحققوا للحضارة الإنسانية إرثاً لا يفنى. وترى أن الفينيقيين فعلوا ذلك بكل رحابة، فأنشأوا حضارتهم وحملوها الى الآخرين غير منتظرين أن يأتي إليهم الآخرون. لم يُخفوا معلوماتهم عن أحد. اكتشفوها ووزعوها على الدنيا علْماً وخططاً ورياضياتٍ وأبْجدية هي أمُّ أبْجديات العالم اليوم.
بِهذه الأفكار تقف كيكو كوما على المسارح الكبرى في العالم وتنشد لبنان وفينيقيا. وفي جولة طويلة على بلغاريا ورومانيا ومكدونيا وسوريا وانتهاءً بِجرش في الأردن، رافقها فيها مستشاراً خبيراً زميلُنا غازي قهوجي مضيئاً لها الكثير من الطريق، غنّت لبنان في شغف الإيمان بِحضارته وإرثه الفينيقي فكانت، على ما يقول الصديق غازي، مفتونة شغفاً بلبنان. وكم مرة سمعها غازي تردِّد في صور: “أنا أمشي هنا على أرض مقدسة تحمل في قلبها سبع حضارات”. لذا جعلت جمهورها، في كبرى صالات المسارح العالمية، يردد معها “فينيقيا أمّ الحضارات وسيدة الحوار بين الثقافات والشعوب جميعاً”، ويروح جمهورها، من خلال قصائدها، يعرف عظمة لبنان. وكم ردَّدَت خلال أحاديثها الصحافية والتلفزيونية في كل العالم أن “أرض لبنان مطمع الغزاة عبر التاريخ لأنها أغنى أرض لأعرق شعب. الغزاة سيطروا على لبنان الجغرافيا لكنهم لم يستطيعوا أن يُلغوا تاريخه العظيم. الجغرافيا تنصاع للغزاة والمحتلين، أما التاريخ فلا يسيطرون عليه لأنه باق في ضمير الشعوب. وهكذا لبنان”.
حين زارت كيكو لبنان للمرة الأُولى (2003) طلبت من غازي قهوجي أن تلتقي بالذي تعرف كم لبنان في قلبه وفكره وضميره، فلبّى غازي رغبتها. وهناك راحت تصغي إليه، الى سعيد عقل، يروي لها عن فينيقيا ما بات لاحقاً عصباً رئيساً في قصائدها عن لبنان وفينيقيا، وازدادت شغفاً وافتتاناً بوطننا وآثاره وإرثه الخالد. وها هي منذئذٍ تَجول على مسارح العالم، تنشد تراثنا العظيم، وإسهامات لبنان في الحضارة الإنسانية والثقافة العالمية، بعدما قصائدُها المشغوفة بلبنان شكّلت منعطفاً مفصلياً في مسارها الفني، وباتت تَحمل لبنان في صوتها وقصائدها وحلمها الكبير.
أيتها اليابانية الوفيّة لإرثكِ، ما أنبلَ لبنانيَّتَكِ اليابانية!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*