507: جاؤوا لهيفين يَـبُوسون أرض لبنان

جاؤوا لهيفين يَبُوسون أرض لبنان
السبت 28 تموز 2007
– 507 –
قلقوا، في حيثما هم، على ما يجري في وطنهم الغالي، خافوا على أهاليهم، توجَّسُوا من شرٍ يسحقه جيش لبنان البطل في الشمال، ومع هذا، ورغم هذا، كل ما يجري لم يَثْنِهم عن المجيء إلى لبنان لقضاء عطلة صيفية اعتادوها بين أهلهم هنا.
حجوزات المجيء إلى لبنان (بحسب شركات الطيران) كثيفة جداً، ومؤشر شركات تأجير السيارات عالٍ جداً حتى ليكاد يتعذر على الراغب أن يجد سيارة بالإيجار، وحجوزات الفنادق تحسنت كثيراً في الفترة الأخيرة عن تشاؤم كان ينخر قلوب أصحابها، والمطاعم عادت تدريجاً تعج بروادها، والمصايف بدأت مع أواخر هذا الشهر تستعيد ولو ببعض البطء ما كانت اعتادته في أوائل هذا الشهر، والذاهبون إلى المطار (مودّعين أو مستقبلين) يروُون عن الازدحام الكثيف في صفوف المستقبلين، والواصلون يترجلون من الطائرة لا في شوق رؤية الأهل وحسب، بل في لهفة من يؤوبون إلى وطن لهم خالوه غرق في ما يحول دون مجيئهم، ولكنهم جاؤوا، بلهفة حبهم الكبير جاؤوا، برغم نصائح أهل وأصدقاء هنا ألا يجيئوا وجاؤوا، بتحدّيهم كلَّ ما يجري على أرض وطنهم جاؤوا، بعناد من يؤْمنون بمقولة “كيفما كنت بحبَّك، بجنونك بحبَّك” جاؤوا، وجاؤوا يبوسون أرض لبنان، ويشربون كل نسمة هواء منه، في عاصمته الحبيبة، في مُدنه الغالية، في قراه المشتاقة، في مصايفه الفريدة، في جباله الأثيرة، في سواحله الأثيلة، في صيفه المعلَّق على التلال وبحره المستريح على الرمال، وفي كل شبر من تراب لبنان الرائع المقدس.
جاؤوا على الرغم مِما تُهاجمهم به نشرات الأخبار من تحركات “بيت بو سياسة” وتجاذباتهم وتصريحاتهم وخطاباتهم و”قواميساتهم” التبادلية والتشاتُمية والتلاسنية، ومن أخبار قتال جيشنا الرائع فصائلَ مُخرّبين زرعوا الرعب في كل لبنان فانقبض بعض أهالينا لا يتجوّلون خشية انتشار رقعة الخطر. غير أن أحبابنا في الخارج جاؤوا يتحدّون كل خطر ويتجاوزون كل قلق.
والى أحبابنا اللبنانيين الجاؤوا من الخارج، ضيوفُنا الطيبون العرب، جاؤوا هم أيضاً يتجاوزون كل قلق وكل خطر، إلى مصايفنا جاؤوا، إلى بيوتهم عندنا جاؤوا، إلى أسواقنا الاصطيافية جاؤوا، مؤْثرين البقاء في صيف لبنان، برغم ما فيه، على البقاء بعيدين في بلدانهم الآمنة المستقرة التي قد يكون فيها مَن ارتدع هذا الصيف لكنّ المقبلين جاؤوا ولم يرتدعوا.
هذه الظاهرة، بدءاً من اللبنانيين في الخارج ووصولاً إلى ضيوفنا العرب، تشير إلى هذه الفرادة العجيبة الأعجوبية في هذا اللبنان الأعجوبي الفريد: تَجتاحه مَخاطر الأوضاع الأمنية والعسكرية والسياسية، فينكفئ اللبنانيون المقيمون احترازاً، ويُحجم اللبنانيون في الخارج والعرب عن المجيء حيطةً وحذراً، ولكن… ما إن تهدأ تلك الأوضاع (نسبياً على الأقل وليس بالضرورة كلياً) حتى يعود هدير طائرات الوصول إلى المطار يملأ فضاء لبنان بالأمل الآتي إلى تحدي كلّ خطر، وإظهار كلّ حب، وإبداء كلّ تعلق بهذا الوطن الذي يخشى الكثيرون من المحبين أن يتحوَّل (بسبب البعض من “بيت بو سياسة”) إلى أندلس ثانية تضيع كما ضاعت الأندلس الأولى (بسبب “بيت بو الأحمر”) ولم ينفع نُواح الأحمق عبدالله الصغير الذي بكى كالنساء النائحات النادبات وطناً لم يعرف أن يُحافظ عليه كالرجال فانهار تدريجياً وتفكَّك تدريجياً وتفتَّت تدريجياً حتى سقط سقفه على الجميع.
أهالينا في لبنان لاهثون خلف نشرات الأخبار، يتسقّطون أخبار البيانات والانتخابات والتجاذبات والاجتماعات والخلوات والمؤتمرات والصفوف الأولى والثانية والعاشرة تحت الصفر، وأهالينا في الخارج وضيوفنا العرب ينعمون باستقرار سياسي وأمني في حيث هم، ويقارنون بين ما عندهم وما يجري هنا، فتتوزَّع أفكارُهم وأَلسنتُهم بين الشفقة والشتيمة.
حاصله… ما لنا وللباقي. حسْبنا مَن جاؤوا من أهالينا يزورون هذا الصيف، يبوسون أرض لبنان ويعودون حاملين كل الحب، ومَن جاؤوا من ضيوفنا العرب حاملين كل التعلُّق بلبنان. وحسبنا، نحن الذين هنا، أن نعرف كيف نُحافظ على هذا اللبنان الغالي الواحد الوحيد الأوحد قبل أن يجعله “بنو الأحمر” الجدُد أندلساً ثانية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*