السبت 31 تَموز 2004
– 7 6 3 –
العرضُ الذي أخرجه نبيل الأظنّ لـ”مهاجر بريسبان” جورج شحادة (عرضانِ الأُسبوعَ الماضي في سياق مهرجانات بعلبك) يطرح أكثر من سؤال حول المسرحية خصوصاً، وحول المسرح اللبناني عموماً.
الخصوصي قراءة نبيل الأظن الفنتازيّة للعمل، ومفاجأة الحضور الثقيف ثلاثاً: وصول المهاجر بسيارة (عوض العربة) فمخاطبة العربجي فتاةً رفيقة سفر جاءت معه عوض مخاطبته “كوكو” الحصان رفيق طريقه وعمره، ولباس السيدات الثلاث بهذه الأناقة الثرية فيما هُنّ متواضعات الأزواج في تلك الضيعة النائية (هل هو سخاء الإنتاج؟)، وانعدام الحدود التبريرية في ترجمة عيسى مخلوف بين اللبنانية والعربية (العامية والفصحى) ما آذى السامعين ولم يبلغهم تبرير هذا الحد الفاصل، بل لعله نأى بهم عن التركيز على شاعرية جورج شحادة وسورياليته. وقد تكون قراءة نبيل الأظن الإخراجية أضافت على النص جماليا مشهدية في كوريغرافيا الصبية حارسة الخشبة طوال العرض (راقصةً أو ناطقةً أو متابِعةً صامتة) وجماليا سمعية في الموسيقى الحية كان يبثها مبدعنا اللبناني العالمي زاد ملتقى من البيانو مكابسَ وأوتاراً، وتشكيلاً مسرحياً زاد من وثوقه ممثلون مكرَّسو الحضور، رفدوا النص، كاركاتيراته وأبعادَه، من دون كثير تذكير بحضورات لهم سابقة: عبيدو باشا الذي سيطر على الحلقة بثقة محترفة في التقمُّصين اللافتين، وغابي يمين رغم لحظات تطويلية فرضها عليه الإخراج، وكميل سلامة المنخطف في مهنيته العالية، وبيار داغر في أدائه الأمين دورَيه البارزين، ورندة الأسمر وجوليا قصار في نزعتهما التلقائية الى النبرة المشهدية والصوتية، وسائر الفريق الذي لم يبخل على نبيل الأظن بما رسم في قراءته النص الحرفي الكامل من دون تحرير أو تقميش.
وكنا لمسنا هذا “التحرير” المشهدي في قراءة إخراجية سابقة حققتها كبيرتنا في المسرح لطيفة ملتقى (الحركة الثقافية – أنطلياس سنة 1999) وشقّت للنص شخصية الراوي العجوز، فجعلت العمل سائغاً لجمهور قد يصعب عليه متابعة شحادة البليغ الرؤية والتفكير لجمهور عالمي أكثر تهيُّؤاً من جمهورنا للمسرح السوريالي. وتضافر على قراءة ملتقى الإخراجية نصُّ إدوار أمين البستاني الذي كان، باللبنانية السلسة، أميناً لجورج شحادة في لقطاته السوريالية وومضاته العالية الشاعرية، ليجيء العمل قريباً جداً من جورج شحادة الساخر على عمق، السوريالي على لذعة، والشاعري على بساطة وردة في يد طفل طاهر.
ومهما يكن من أمر، لنبيل الأظن قراءته، وللطيفة ملتقى قراءتها، وكل قراءة إخراجية تحمل للنص (أو المفروض أنها تحمل) بُعداً آخر، وافقها عليها الجمهور أم لم يوافقها. الشاهد هنا جورج شحادة نفسه، المضطر أن يصل الى الجمهور اللبناني (والعربي) في نص مترجَم، مهما تكن دقيقةً أمانةُ المترجم أو أقلَّ دقة. لكن اضطراره هذا أفضل له من أن يكون كتب مسرحه بالعربية فلا يصدر إلا لبضعة عروض على خشبة لبنانية، وربما لبضعةٍ أخرى من مهرجان للمسرح في دولة عربية، ثم ينام النص في أدراج الممثلين وأرشيف الصحف والتلفزيونات. أما أن يكون كتبه بالفرنسية، إحدى اللغات العالمية الحية، فهو انتقل فوراً الى لغات حية عالمية أخرى، وتم تقديمه على مسارح كبرى في العالم وفي عدة لغات، وهو ما أوصل جورج شحادة الى عالميةٍ ما كان سيذوقها لو كتب مسرحه باللبنانية أو بالعربية. ولنا في نصوص ريمون جبارة وجلال خوري والأخوين رحباني مثالٌ قاهرٌ موجِع، مقابل فرحٍ ورفاهٍ تتمتع بهما نصوص جورج شحادة مسرحاً وشعراً، ونصوص أمين معلوف روايةً، في صعودها المتواصل نحو العالمية الخالدة.