الاثنين 5 كانون الثاني 2004
– 8 3 3 –
على عادته في كل مناسبةٍ أن يَحملَ السوط ويدخلَ الْهيكل فينهالَ على كَتَبَةٍ فيه وفرّيسيّين جعلوه بسمسراتِهم “وكر لصوص”، طالَعَنا متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس الْمطران الياس عودة في عظته الرعائية لليوم الأول من هذا العام بكلامٍ كعادته جريءٍ وقويّ يهزّ حالةً فاجرة بلَغَها لبنان، بسبب مسؤولين راح يُخاطب ضمائرهم (ضمائرهم؟!) كي يسمعوا ويعوا ويرتدعوا (!؟) عن رشوة هي من أسباب فساد إداري عندنا قد يطيح الاستقرار الاجتماعي والْمالي والاقتصادي. ومع أن سيادته تَحدّث في الْمحبة والتسامُح والسلام، كان قفّازُه يُمسك سوطاً مزدوجاً: وجه منه مسيحي مسالِم يدعو الى جبه الصفعة بالْخد الأيسر، والآخر صاعقةٌ غاضبةُ الانقضاض على كلّ مسؤولٍ في لبنان لا يعمل لأمن شعبه وضمان مستقبل أجياله الْجديدة والآتية.
ولعل أبلغ ما قاله سيدنا عودة: دعوته الْمسؤولين في لبنان الى أن يَجتمعوا في رياضة روحية تضمُّهُم معاً في مسجد أو خلوة أو كنيسة، لا فرق طالَما أنّهم في هذه الرياضة (الافتراضية) سيتوجَّهون الى الله – إله الْمسجد وإله الكنيسة معاً-. وهناك، فليصلّوا معاً، وليتأمّلوا معاً، وليرفعوا معاً – مسيحيوهم والْمحمديون والْموحّدون – نداءً واحداً لبنانياً الى رب العالَمين يفتتحُونه بـ”بسم الله الرحمن الرحيم” (العبارة الْمقدسة التي بِها افتتح الْخوري يوسف عون ترجمته العهد الْجديد بأناجيله الأربعة) ويَختتمُونه بـ”التسبيح لله دائماً”، فيكون الله واحداً وحيداً موحَّداً لا إله في صلواتهم إلا هو، ولا دين يَجمعهم داخل هذا الْمصلّى إلاّ دين لبنان وهو دين الإنسان الذي من أجله تنَزّلت آيات القرآن الكريم وتتالت فصول الأناجيل الْمقدّسة. وليكن يومها أن يعرف العالَم – بِجميع طوائفه ومذاهبه وأديانه – أنّ لبنان كان الرائد بِجمع رجال السياسة فيه من جميع طوائفهم ومذاهبهم والأديان في مصلّى واحد أمضوا فيه رياضةً روحيةً واحدةً، دينيةً لا طائفية، من أجل هدف واحد: لبنان.
بلى: هذه الفكرةُ العبقريةُ من سيادة الْمطران عودة هي قمّةُ ما يُمكن أن يقوم به سياسيو لبنان كي يُثبتوا أنّهم يعملون بقلب واحد وإيْمان واحد في توجُّه واحد من أجل لبنان واحد يُجمعون عليه في السر وفي العلن، وليس كما يَجري اليوم: يَجتمعون عليه في السر بعكس ما يتجمَّعون على التصريح به في العلن.
لا يكفي أن تَحمل منشوراتُنا السياحية على أغلفتها وفي صفحاتها الداخلية صورة مئذنة الْجامع حدّ قبة الكنيسة، ولا أن نتغنّى بِجمع شيخ مَحمدي وكاهن وشيخ موحِّد في صورة واحدة، وأن نباهي بـ”العيش الْمشترك” في قرانا والْمدن. هذا قناع يُخفي لدى السياسيين وجهاً آخر يعرفه تَماماً الضالعون كالْمطران عودة.
لو يتّعظون منك يا سيّدنا الياس، لكان يتغير وجه لبنان. إنّما لا يَهُم يا سيّدنا: واصِلْ جَلدك بالسّوط، فالرعية تسمعُك، وهي الأساس، وهي التي كان لَها يوماً أن تنشحن بالغضب وتستيقظ وتنتفض وتثور على سياسييها الْجلاّدين فتَخلع أبواب الباستيل وتُغَيِّر وجه فرنسا.