325: عقوبة السجناء: موسيقى صاخبة

السبت 4 تشرين الأول 2003
– 5 2 3 –
عن مراسل رويترز في جوهانسبورغ أن مُحامي اثني عشر سجيناً تقدَّم بشكوى الى مديرية السجن ناقلاً فيها احتجاج موكّليه السجناء على صداعٍ فظيع بدأ ينـتابُهم، وعلى نوبات هستيرية بدأت تصيـبهم، نتيجة الْموسيقى الصاخبة التي تذيعها إدارة السجن في زنزانتهم لساعات طويلة متواصلة من الليل والنهار. وجاء في نص الشكوى أن هذه الْموسيقى، بارتفاع صوتِها عالياً الى الْحد الأقصى، وبطبيعة إيقاعاتِها وطبولِها التي تضرب كالأزاميل على الدماغ مباشرةً، سبَّبت (بِحسب تقرير طبيب السجن الْمختص بالأعصاب) توتُّراً مرتفعاً في ضغط الدم، وأذى مباشَراً على الآذان، وتضخُّماً باتولوجياً مؤذياً في شرايين القلب بسبب الْجهد الذي يـبذله السجناء في مُخاطبة بعضهم البعض بأصوات عالية من دون أن يستطيعوا التفاهم أو الْحوار لأن صوت الْموسيقى الصاخبة أعلى من أصواتِهم.
هذا الْخبر ننقله، كما هو، الى ثلاثة: زاعوق (أَي واحد يُمارس الزعيق بدل الغناء)، مهندس صوت، وساهر.
فالزاعوق الوقح لا يطيب له الْجعير إلاّ إذا وضع الْميكروفون في فمه حتى بلعومه وراح يُمارس زعيقه وجعيره بأقصى حباله الصوتية لكي يلفت إليه أسْماع الساهرين، معتبراً أن الفن هو في إيصال صوته الْمخنشر عالياً.
ومُهندس الصوت يعتبر أن مبرر وجوده في هذه الْحياة إيصال الصوت الى الناس وتالياً يَجد أن إثبات وجوده هو من إثبات ما تبثه الآلات أمامه من ذبذبات، فيروح يرفع الصوت كي يشعر هو بأداء دوره ويغتبط لِهذا الشعور.
والساهر الأبله يستطيب الْجعير العالي وقرقعة الإيقاعات الْموسيقية حتى يَحلَنْشِش (كلمة من اختراعنا لا معنى لَها) و”ينْزل” الى حلبة الرقص بكامل غبائه يهزّ أو يفزّ أو ينُطّ أو ينسطل غير عابئٍ بصوت الْمغنّي على بشاعته، ولا باللحن الطراطيقي على سخافته، ولا بكلام الأغنية على تفاهته.
والنـتيجة أن سائر الساهرين الى طاولاتِهم في الْمطعم يُمضون وقتهم يتأَمّلون في دوائر الدخان الْمُقرفة فوق رؤوسهم، يتنشقونَها ومعها يتنشقون الْموت بالتلوّث القاتل، أو ينظرون الى حلبة الرقص متأملين امتلاء بطون الراقصين وفراغ رؤوسهم، أو يُحاولون الْحوار مع جلسائِهم بالإيْماء أو الصراخ العقيم لأن أصوات قرقعة الْموسيقى أقوى من أصواتِهم ولو وضعوا أفواههم على آذان جيرانِهم الى الطاولة.
أما الزاعوق فهذه مهنـته: الزعيق معتقداً أنه فن الغناء، وهذا لا تُمكن مُحاسبتُه، فالقرد في عين نفسه (قبل عين الست الوالدة) هو ظبْي أهيف. وأما مهندس الصوت فهذه مهنـته: إزعاج الناس بالصوت العالي إثباتاً لرجولته الْمهنية. يـبقى ذاك الساهر الأشوس الذي يتلقى الْموسيقى الصاخبة مرغماً لأنه مضطر الى البقاء، أو منشرحاً بانسطال لأنه جاء أساساً كي يفز وينط على الْحلبة، وهو لا يدرك أنه السبب الأول في رواج إزعاج مهندس الصوت، وخصوصاً في رواج الأغاني الْهابطة الفارغة من كل لَحن وكل كلام، ولذا نُحيله الى الْخبر الذي في مطلع هذا الْمقال، لعله يفهم (هل يرعوي؟) أن هذه الْموسيقى الصاخبة تؤذي جهازه العصبِي الذي قد يسبب الأذى القاتل لكل ما تَمتّع به جهازه الْهضمي قبل أن ينـتقل منشرحاً الى حلبة الرقص.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*