السبت 14 كانون الأول 2002
– 3 8 2 –
شكراً للْجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) على بادرتِها النبيلة بالإسْهام في إنتاج فيلم أستاذ السينما لديْها أسد فولادْكار “لَمّا حِكْيِتْ مريَم” (تعرضه حالياً صالة أمبير 6 في مُجَمّع “سوديكو سكوير”).
وما كان شُكرنا يتوجه إلى الْجامعة اللبنانية الأميركية لولا أن الفيلم، بدون إسهامها، كان سيتعثَّر أو يتأَخّر تَحقيقُه بانتظار منـتج (تاجر؟!) يفرض على الْمخرج شروطاً قد لا تتلاءَم والْمستوى الأكاديْمي العالي الذي نفَّذ به فولادكار فيلمه الْمشغول (باحتراف الأستاذ الْخبير ومهنية الْمخرج التقني وإتقان كاتب السيناريو).
ليس هذا الْمقال نقداً للفيلم ولا حتى قراءةً سينمائية له، فما هذا ميداني ولا هو شأْني الكتابي. لكن ما أحاق بِهذا الفيلم اللبنانِي من نَجاحات وخيـبات، حتَّمت طرح أسئلةٍ على وسطنا الثقافي والصحافي والسينمائي معاً.
النجاحات ما قطف الفيلم من جوائز وتَهانئ وتنويهات ومطالعات نقدية وقراءات خبراء في العالَم العربي وفي الغرب (شارك حتى الآن في 28 مهرجاناً سينمائياً عالَمياً)، والْخيـبات في ما يواجه من مظاهر وظواهر وتظاهر.
فهل من الْمعقول أن تستقبله صحافتُنا اللبنانية بِهذه البرودة الصاعقة، هو الذي استقبلته الصحافة العربية والعالَمية بِحرارة وتصفيق، وخصوصاً بعدما نالت نَجمته (برناديت حديب) جائزة أحسن مُمثِّلة في ثلاثة مهرجانات سينمائية كبرى: معهد العالَم العربي في باريس، ومهرجان الإسكندرية وأيام قرطاج السينمائية، عدا نيل الفيلم جائزة لَجنة التحكيم في بلجيكا، وجائزة العمل الأول في قرطاج، والْجائزة الكبرى في الإسكندرية (بين 12 فيلماً عالَمياً مشاركاً)، وجائزة أفضل فيلم في كليفلاند (أوهايو) وفي آريزونا، وثلاث جوائز من فرنسا (الْجمهور في فيزول، والتوزيع والنقاد في مونبلييه)؟
وهل من الْمعقول ألاَّ يتمكّن الْمخرج من الْمشاركة في مهرجان الْهند السينمائي الكبير لأن وزارة الثقافة “اعتذرَت” عن تأْمين نسخة له وهو لا إمكانات لديه لنسخ تلك النسخة؟
وهل من الْمعقول أن يقف الْمخرج وحده (مُمثِّلاً “الوفد” اللبناني) لدى الْمهرجانات التي شارك فيها (على حسابه الْخاص) بينما الدول الأخرى أمَّنت السفر لأركان الأفلام التي شاركت في تلك الْمهرجانات؟
أتَخَطّى الكلام على تقنية أسد فولادكار (التي انتصرت على الضحالة في إمكانات الإنتاج) وعلى الْمستوى التمثيلي العالي لبرناديت حديب وطلال الْجردي (الْمرشَّحَين، إذا استمر الوضع السينمائي تعيساً عندنا بِهذا الشكل، أن “تسرقَهُما” بلاتوهات السينما العالَمية لِحضورِهِما الواثق أمام الكاميرا) وعلى كل من شارك في الفيلم وخدَم النص والأداء باحترافية سليمة، وعلى نبض أسد فولادكار في التعامل مع تقطيعات الْمونتاج وإدراج الْموسيقى التصويرية (نداء أبو مراد) والرموز في معظم زوايا الكاميرا، وحسْن الصياغة في نسيج السيناريو، …
أتَخَطّى كل ذلك وأتركه للأقلام الْخبيرة عندنا (متى؟) لأشارك هذا الفيلم غصته في أن صاحبه (هذا أول شريط له طويل) هو مَن قام بِحمله إلى صالة العرض، وهو مَن يتابع شؤونه التسويقية (أين جُمهورُنا اللبنانِيُّ الكثيفُ وتلامذتُنا وطُلاّبُنا لا يقْبلون عليه؟) في غياب موزع يتبنَّاه فيلماً لبنانياً مُمتازاً يقف في الصدارة بين أفلام شبابنا وصبايانا (الْجامعيين والْجامعيات) الْجدد الذين يزرعون بصماتٍ واضحة على العصر السينمائي اللبناني الْحديث.
هذه الغصة يعانيها الفيلم، لا يعانيها صاحب الفيلم الذي (وهنا فضله الكبير) يؤمن عميقاً بأنه سيظل يعمل، بلا يأْسٍ ولا إحباط، على الْمشاركة في تأسيس الفيلم اللبناني الْجديد.