الخميس 21 كانون الأول 2000
– 181 –
إنه موسم الأعياد. وللأعياد طقوسها وعاداتها و… هداياها.
وفيما محلات الزينة والألعاب والمآكل والأحذية والملابس وسائر الهدايا، تتسابق على “الصولدات” و”التنزيلات” وسائر المغريات، نجد المكتبات لا تزداد نشاطاً، والغاليريات لا تزداد إقبالاً، وصالات المسارح لا تزداد حجوزاتها في شباك التذاكر. وإذا كان هذا دليل عافية في تحرّك الناس صوب الابتهاج بالأعياد، فهو ليس دليل “عافية ثقافية” نحن نحتاجها أكثر من سواها. فصاحب محل الملابس إن لم يبع اليوم سيبيع غداً، وصاحب محل المأكولات لا خوف على مورد رزقه لأن الناس ستظل على النهم والجوع وحب البطون، وصاحب محل الأحذية سيظل يبيع الناس أحذية في كل موسم، وصاحب محل الألعاب والزينة سيجد الكثيرين ممن سيقصدونه لإبهاج أولادهم والأصدقاء.
لا خوف على رزق هؤلاء التجار، ولو مارسوا هواية “النق” وكسر اليد والشحادة عليها، فأرباحهم أكثر بكثير مما يتصور الكثيرون، وتخزينهم للرساميل تفوق أرقامه كثيراً ما يتبادر إلى ظنّ الساذجين والساذجات.
ولكن الخوف هو على مَن منحهم الله نعمة الفن، بشتى أشكاله، كتابةً أو رسماً أو نحتاً أو موسيقى أو سواها.
فلماذا لا نقدم هدية العيد مجموعة مؤلفات كاتب أو شاعر لبناني، بحسب المبلغ المرصود لتقديم الهدية؟
ولماذا لا نجعل هدية العيد مجموعة بطاقات لحضور مسرحية لبنانية أو فيلم لبناني في إحدى الصالات اللبنانية؟
ولماذا لا نهدي في العيد مجموعة أسطوانات (سي.دي) أو كاسيتات لموسيقي لبناني (ولا أعني المطربين لأن هؤلاء تقاضوا أجورهم مبالغ بترودولارية أو خليجو- دولارية خيالية، معظمهم لا يستحق واحداً على مئة منها).
لماذا لا نقصد المكتبات العادية أو الموسيقية أو معارض الكتب المُقامة كل فترة في العاصمة، فنخصص مبلغاً معيناً للهدايا نشتري به، على حجمه، كتاباً أو أكثر، أسطوانة أو أكثر، فينتعش المؤلف وتنتعش دور النشر؟
ولماذا لا نقصد الغاليريات في الأعياد فنختار- بحسب المبلغ المرصود- لوحة كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، أو منحوتة معينة، ينتعش بها النحات أو الرسام وتنتعش الغاليري؟
ولماذا لا نرسل إلى أصدقائنا في الأعياد مجموعة بطاقات لحضور مسرحية لبنانية أو فيلم لبناني أو كونشرتو لبناني فينتعش الموسيقي وينتعش المسرحي وتنتعش صالة المسرح وصالة السينما والمنتج المسرحي والسينمائي معاً؟
لماذا لا نقوم بكل هذا فتتحرّك الدورة الاقتصادية في حقل الثقافة وتصبح الثقافة فعلاً، لا تنظيراً، قطاعاً منتجاً؟
موسم الأعياد؟ فلنوظفه للقطاع الثقافي أيضاً، وفي لبنان نسبة عالية جداً من المثقفين (المنتجين والمتلقين معاً) فلا يبقى القطاع الثقافي عالة لأصحابه وعلى الآخرين، ويشعر المنتج الثقافي أنه فاعل في مجتمعه، وأن مجتمعه متفاعل معه، فينتعش الإنتاج الثقافي، ويبطل أن يكون تسليعه قهراً لصاحبه بسلوك طريق خطر يؤدي إلى تجرنة مستواه.
الهدايا “الثقافية” دليل حضارتنا كي نستأهل نعمة العيد في وطن هو نفسه عيد ثقافة.