الجمعة 8 كانون الأول 2000
– 179 –
لم يُعد كافياً وَسْمُ لبنان بالسياحة العادية، كبلدان الذين لا واحات ثقافية لديهم. بعد اليوم، يجب أن نبحث عميقاً في السياحة الثقافية، أي بواحات ثقافية تندرج في خرائط السياح (والأحرى أن أقول في برامج اللبنانيين أولاً، وقبل سواهم، وخاصة تلامذتهم وطلابهم) حتّى يكون لهم أن يزوروا أماكن ذات طابع ثقافي.
صحيح أن من المهم توقّفهم ملياً وطويلاً في طرابلس وجبيل وبيروت وصيدا وصور وقانا وبعلبك، كي لا ندخل في تفاصيل المدن والقرى والبلدات التي (وما أكثرها في لبنان) تحتفظ بمواقع أثرية وتاريخية وسياحية.
وصحيح أن من المهم ارتقاءهم إلى ثلوج الأرز واللقلوق والباروك وصنين وباكشي والزعرور، أو تمتّعهم بأية بقعة لازوردية من شاطئنا الفريد، مروراً بواحتنا السياحية من جعيتا (أعجوبة الطبيعة التي يتفرد بها لبنان في العالم) إلى بيت الدين ومن دير القمر إلى السوق العتيق في زوق مكايل، … وتطول اللائحة.
لكن من المهم كذلك أن تندرج في جولاتهم أماكن ليست من شغل الطبيعة أو من بناء الأسلاف والأجداد، بل واحات ثقافية لبنانية يحمل منها السائح (و… أيضاً وأيضاً: اللبناني قبل السائح) تذكاراً يحفظه (وقد يعود إليه) عن لبنان الفكر والفن والأدب والثقافة.
ماذا لو دخل في تلك الخريطة السياحية/الثقافية: متحف جبران في بشري، بيت الياس أبو شبكة في زوق مكايل، بيت مارون عبود في عين كفاع، متحف أمين الريحاني في الفريكة، بيت مصطفى فروخ في عاليه، الغرفة التي كتب فيها الشاعر البولوني يوليوش سووفاتسكي رائعته الخالدة “أنهلي” والتي تحوّلت متحفاً خاصاً به في دير مار أنطونيوس خشبو/غزير، سمبوزيوم النحت في راشانا ومحترفات ميشال وألفرد ويوسف بصبوص، سمبوزيوم النحت في عاليه (التي ستتحول بعد أربع سنوات بحسب تقديرات رئيس بلديتها وجدي مراد إلى تحفة فنية في الهواء الطلق فريدة من نوعها في العالم فتقف مع كبريات المدن والعواصم العالمية التي تعتز بالأنصاب والتماثيل فيها)، إلى زيارة المتحف الوطني للفنون التشكيلية (عند إنجازه في طرابلس)، إلى حضور كونشرتوات الفرقة الوطنية السمفونية اللبنانية التي نجح وليد غلمية في جعلها خبزاً أسبوعياً لناهلي الموسيقى، … وقد لا تطول اللائحة حتّى الآن، لكنها مرشحة لذلك، بل يجب أن تطول حتى تضاهي، وربما تتجاوز، لائحة الأماكن السياحية الطبيعية أو التاريخية العادية أو الأثرية البحتة.
الفرق بين هذه وتلك، أو الواحات التاريخية والسياحية ورثناها، باعتزاز طبعاً، بينما الواحات الثقافية صنعناها نحن ولا نزال نصنعها، واحدة بعد واحدة، حتّى يتكون لنا تراث سياحي ثقافي يقصده المعنيون والمهتمون.
وفيما تهرع وزارة الاقتصاد إلى برمجة شهر التسوق (ومعها حق) لجذب الزوار، ووزارة المال إلى مراقبة خفض الرسوم الجمركية وخفض الأسعار (ومعها حق) لجذب الرساميل، فلتهرع وزارة الثقافة ووزارة السياحة إلى تنسيق بينهما تنجم عنه سياحة ثقافية يعرف وزيراهُما الثقيفان كرم كرم وغسان سلامة أنها تبني للبنان على الخريطة العالمية مستوى ما تبنيه فيينا وروما وباريس وسائر المدن والعواصم الثقافية في العالم.