الجمعة 20 تشرين الأول 2000
– 171 –
أما والشمل التأم في ساحة النجمة، والحكومة الحالية باتت فريق تصريف أعمال، واستشارات التكليف والتأليف على النار، وتنظيراتها وترجيحاتها تخرج تباعاً من الكواليس، فنحن يظل قلبنا على وزارة الثقافة، هذه التي، في ترجيحات الصحف والكواليس، لا تظهر مطلقاً وليس من يهتم بحقيبتها، بل تذهب اهتمامات الأقلام إلى المسمّاة “وزارات رئيسية” و”وزارات خدمات”، ومن يتولّى ماذا، وليس من يذكر اسماً ويرجحه لوزارة الثقافة.
هكذا إذاً؟ إلى هذا الحدّ وزارة الثقافة، في نظر أولياء القرار، هي “ثانوية” و”هامشية” حتّى تذهب حقيبة ترضية لوزير يبقى من التشكيلة فيؤتى به إلى الثقافة لتكملة الكوتا الطائفية، أو المحاصصة السياسية أو الخريطة المناطقية أو المذهبية، أو تعبئة البقية الباقية من الحقائب بعد توزيع هذه على “الوزارات الرئيسية” و”وزارات الخدمات”؟
وماذا بعد؟ الذي سيحصل (طالما أن الصوت واحد في المطالبة بـ”وزارة سياسية تحقق الوفاق الوطني”) أن يؤتى لوزارة الثقافة بوزير سيقال إنه “وزير مثقف” ينهض بها وبتفعيلها. ولكن… شو يعني “وزير مثقف”؟ المجلس النيابي ممتلئ بحملة الشهادات وبرجال الأعمال، ولكن هذا كلّه لا يجعل من “الوزير المثقف” وزيراً “ابن الثقافة”.
لا نخلطن بين وزير متعلّم يحمل شهادة ويتقن أكر من لغة، وبين وزير يكون ابن الثقافة، أي ابن النشاط الثقافي والوسط الثقافي والعلاقات الثقافية بمختلف شرائحها ونشاطاتها وفاعلياتها وأعلامها.
نريد وزيراً ابن الثقافة يخدم المثقفين لا وزير منصب يخدم منصبه المثقفون، توصله معادلة سياسية طائفية مذهبية محسوبية فيجيء بمستشارين حوله يفكرون عنه ويشتغلون عنه لأنه لا يعرف الوسط الثقافي ولا أعلامه ولا نشاطاته.
نريد وزيراً إذا ذكروا له اسم مثقف لا يسأل إن كان هذا المذكور شاعراً أو كاتباً أو رساماً أو موسيقياً أو مسرحياً أو نحاتاً، ولا يتكل على مستشاريه وأصدقائه والمحيطين به كي يعرف من هو هذا المذكور وما هي سيرته.
نريد وزيراً يأتي إلى الوزارة ويكون سيّدها بجميع قطاعاتها من الآثار إلى المكتبة الوطنية إلى الشؤون الثقافية والمسرحية والسينمائية والتشكيلية والموسيقية، وهو لا يمكن ملماً بها جميعها إلاّ إذا كان ابن الثقافة، يعني ابن الوسط الثقافي وضالعاً في نتاج هذا الوسط، ناشطاً أو محرّكاً أو مساهماً أو مبادراً أو فاعلاً أو مشتركاً أو مؤسساً أو خلاقاً في حقل من حقول الثقافة المنتجة، أو منتجاً متمرساً في واحد من هذه الحقول ومطلعاً على الحقول الباقية.
هذا هو الذي يستأهل أن يكون وزير ثقافة، كي يشعر المثقفون في لبنان أن في الوزارة من هو منهم وفيهم ولهم وبينهم، وأن الوزارة جاءت به إلى موقع السلطة التي تخدمهم لا تلك التي هم يخدمونها ويقفون صفوفاً عند بابها.
هذا هو وزير الثقافة المطلوب أن يكون في تشكيلة حكومية موعودة، ليس فيها (كما يبدو حتّى الآن) سوى سياسيين اختيروا للتشكيلة نتيجة معادلات طائفية وكوتا سياسية ومحاصصة مناطقية ليس فيها من مواصفات وزير الثقافة ما يجعلنا نستبشر بوزارة نريدها نحن رئيسية بينما لا يجدها أولياء القرار إلاّ ثانوية وهامشية و… حقيبة ترضية.