الخميس 23 آذار 2000
– 140 –
زار مصر التي قالها “البلد الذي نزلت فيه الوصايا العشر على موسى” وقال إنه زارها “مُتَّبعاً الطريق الذي سلكه موسى بوحي من ربه ليقود شعبه إلى أرض الميعاد”. وزار سيناء مصلياً على سفح جبلها الذي قاله “تجلّى عليه الرّب للبشرية عبر النبي موسى”، وزار شجرة العليقة التي قالها “أنزل الله عندها الوصايا العشر على موسى”. و”أهدى” اليهود كلاماً قاله “بتأثّر عميق عن لقاء الله وموسى على الجبل”. وبادله اليهود “الهدية” بشعارات معادية لزيارته.
ثم زار الأردن، فمشى الضفّة الشرقية لنهرها، إلى بيت عنيا عند بحيرة وادي الخرار حيث اعتمد المسيح، وزار جبل نيبو الذي قاله “رأى منه موسى أرض الميعاد”. وكان “أهدى” اليهود طلبه صفحهم “عن أخطاء الكنيسة الكاثوليكية بحق اليهود”، وأعلن أنه جاء يمشي “على خطى موسى”، فبادله اليهود بلسان وزير منهم (حاييم رامون) أن “البابا يزور موقعاً يعتقد مسيحيون كُثُر أن المسيح اعتمد فيه. لكن الاعتماد حصل في منطقة قصر اليهود قرب أريحا في الضفة الغربية”. وعلَّق وزير آخر منهم (شمعون بيريز): “لا نثق بكل أقوال البابا وأفعاله. صحيح أنه اعترف بأخطاء الكنيسة تجاه اليهود، إنما هذا ليس كافياً. لكننا نحترم ما فعله حيال الديانة اليهودية” (“النهار”).
ومع صدور “النهار” اليوم، يكون (وسط شعارات يهودية معادية زيارته) قد زار الزيتون وبيت لحم والقدس وسواها لـ”السير على خطى المسيح”، تنفيذاً لرغبته” من زمان في زيارة الأماكن المرتبطة بتاريخ الخلاص”.
الأماكن؟ وعلى خطى المسيح؟ وما إذاً عن صيدا وصور والطريق الذي مشاه القديس أوزابيوس من قبل حتى وصل إلى قانا؟ وإذا كان من خلاف على مكان اعتماده، فهل من خلاف على صيدا وصور ؟ صور التي شفى فيها بنت الكنعانية (متى 15/21، ومرقس 7/29)، وصيدا التي نزل إلى شطها من السفينة (مرقس 6/45)، وبيت صيدا حيث شفى الأعمى (مرقس 8/22)، وصرَفَت صيدا التي مرّ بها بين صيدا وصور (الصرفند اليوم) وذكرها في خطبته (لوقا 4/26)، وتراخونيدا وفيها قيصرية فيلبس التي على سفح حرمون (مرقس 8/27)، وقمّة جبل التجلّي، وهو جبل الشيخ كما أجمع علماء العهد الجديد (متى 17/1)، وقانا التي ثبت أنها قانانا نحن لا إلى جدال وفيها تحوّل على أرضنا من إنسان إلى إله و”… آمن به تلاميذه” (يوحنا 2/11).
أين إذاً واحاتنا اللبنانية في هذه “الزيارة التاريخية”؟ عن بول موران قوله: “كانت صيدا وصور، ذات فترة، كل تاريخ العالم”. وعن فيكتور بيرار قوله: “إن فينيقيا هي الأمَّة الأمّ لهذا العالم الذي، وراء البحار، يدعى أوروبا”. وعن المؤرّخ اليوناني سترابون نمعاصر المسيح (58 ق.م.- 21م.) قوله: “… وفي أيامنا أيضاً، كل من يروم التَثَقّف في أيّ حقل من العلوم، يجد في صيدا وصور مراجع ومصادر أكثر مما يجده في أية حاضرة أخرى من الدنيا” (المجلّد 16 من مؤلفاته الكاملة). فهل مجد أعظم من هذا، مسيحياً وتاريخياً، كي يمشي أرضنا اللبنانية” على خطى المسيح؟”.
بلى: “خطاه” عندنا أيضاً في صيدا وصور (لا في حريصا ولا في مرفأ بيروت حيث صلّى)، وتبقى ناقصة كل “زيارة تاريخية على خطاه” لا تشمل أرضنا اللبنانية المقدسة.