الجمعة 16 نيسان 1999
-94-
فيما يستعد المعنيون والخبراء لإعادة هيكلة وزارة التربية (بضمّ التعليم العالي إليها مديرية، والتعليم المهني والتقني مديرية أخرى، وإبقاء الثقافة وحدها وزارة مستقلّة)، نلفت إلى أمر حيوي بات الأكثر إلحاحاً في المسيرة التربوية: رفع مستوى المدرسة الرسمية من أقصى لبنان إلى أقصاه.
خلال ست سنوات في أميركا، كان يلفتني اهتمام الدولة بالمدرسة الرسمية، والإقبال الكثيف عليها من مختلف طبقات المجتمع الأميركي، واجتماع هيئات المجتمع الأهلي على الحدب والعناية والمتابعة والتنسيق والمبادرات، حتّى أن المدرسة الرسمية هناك ليست إطلاقاً دون مستوى المدرسة الخاصة، فلا يفرق هذه عن تلك إلاّ “القسط البورجوازي” الذي لا ينشل لميذاً بليداً ولا يميزه.
فلماذا لا نحتذي؟ وماذا تفعل، ميدنياً، ما تسمّى عندنا لجان “أصدقاء المدرسة الرسمية”؟.
لا نذهبنّ إلى أميركا كي نتمثّل. عندنا في لبنان نموذج ناجح: ثانوية عبدالله خوري الرسمية في حمّانا، والمشرف العام عليها، بعلمويته ورصانته المعروفة: الدكتور نجيب أبو حيدر.
كان المبنى كرخانة حرير (100م× 20م) وهبها عبدالله خوري للبلدية ومبنى آخر مجاوراً. فانبرت البلدية (ورئيسها يومئذٍ- 1977- وزير على طرازه الجميل عقداً سميك الحجارة، تاركة الخارج كما هو، على عتقه الجميل، مما يجعله من أقدم أبنية حمّانا، وجعلت المكان مدرسة رسمية، عملت خمس سنوات، حتّى كان الاجتياح الإسرائيلي وما رافقه من ملابسات أقفلت المدرسة حتّى 1994.
عامئذٍ، عمد نجيب أبو حيدر مجدداً إلى إعادة ترميمها وتأهيلها، بدعم من البلدية (100 مليون ليرة سنوياً)، ومن مجلس الإنماء والإعمار، إلى تعاون مباشر مع وزارة التربية ووزارة التعليم المهني والتقني والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وخاصة بإسهام الأهالي مباشرة (للمرة الأولى في تاريخ المدرسة الرسمية اللبنانية) يرعون ويراقبون ويحسنون، بدفع 300 ألف ليرة عن كل طالب، ما جمع مبلغ 180 مليون ليرة سنوياً، وأتاح نهضتها وإنشاء صفوف للحضانة والصغار مزودة أجهزة كومبيتور (جهاز لكل صفّ بدون استثناء). والتحقت المدرسة بـ”نادي الأونسكو” (في رعاية مباشرة من باريس تشمل 5000 نادٍ في العالم).
هذه المدرسة، بمستواها وأدائها ونتائجها ونظافتها وترتيبها، نموذج لتدخل المجتمع الأهلي مباشرة في المدرسة الرسمية، وفي ذلك أوّل عنصر لتطويرها بأسرع من انتظار… بيروقراطية الدولة.