الخميس 18 آذار 1999
– 90 –
غامضاً جاء خبر “وكالة الصحافة الفرنسية” من القاهرة عن منع الرقابة المصرية “نبي” جبران من التداول (بطبعته الإنكليزية الأصلية) في الجامعة الأميركية هناك. والغموض في “رفض مسؤولي الرقابة التعليق على القرار”. وواضحاً جاء الشرح بأن “لا رقابة في مصر على الكتب، لكن الرقابة تتحرّك بعد تلقي شكاوى من مواطنين”.
إذاً، بناء على “شكوى من مواطنين” (لا من “المواطنين”)، تحرّكت الرقابة لتمنع كتاباً هو اليوم في طبعته العادية الـ120 (عدا طبعاته المتعددة في أحجام مختلفة وإخراجات تتفاوت بين فاخر وأنيق وعادي)، وعن عير إحصاء أميركي (واإحصاءات في أميركا دقيقة إلى درجة عالية) إن “النبي” هو في طليعة الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة عاماً بعد عام.
حفنة من مواطنين”، تضغط على الرقابة لتمنع كتاباً بهذا المستوى العالمي، لأسباب قد تكون هي نفسها التي ثار عليها، وعلى أصحابها، صاحب “النبي” نفسه في مؤلفاته العربية الأولى: “عرائس المروج”، “الأرواح المتمرّدة” و”الأجنحة المتكسّرة” و”العواصف”.
في الأدب مؤلّفات إذا منعها الرقيب تأذى صاحبها، ومؤلّفات أخرى إذا منعها الرقيب سقط الرقيب في الجهل هو والذين بسببهم أصدر قرار منعه.
وجبران الذي نادراً ما دخلت بيتاً أميركياً خلال ست سنوات إقامتي هناك إلاّ وجدت فيه “النبي” على الأقل، لم يعد للبنان الذي أنجبه وهو ظلّ طوال حياته لغة داخل اللغة، ولم يعد لأميركا نفسها التي كرمته على حياته (كما قلائل من أبنائها) ومع ذلك لم يحمل جنسيتها بل مات وهو على جنسيته اللبنانية وحدها، هذا الجبران العالمي يصغر من يمنع كتبه.
هذا الذي قالت عنه ماري هاسكل في دفتر مذكراتها إنه بعدما ذاق وهج شهرته الأميركية (خاصة بعد 1923) لم يعد مهتماً بالكتابة لقراء العربية، أتراه كان مدركاً أن “النبي” الذي هزّ أميركا به في لغتها الأم التي ليست لغته، سيصبح بين ندرة أكثر الكتب مبيعاً وإعادة طبع وترجمة في العالم، حتّى إذا منعه رقيب في إحدى الدول سقط الرقيب من الجهل؟
ذات يوم قال غاليليو لجلاّده: “فليكن. ومع ذلك، فالأرض تدور”. وخلّد غاليليو، ومات الجلاّد، تماماً كما يضيء جبران أفق التاريخ، ليموت الضفدعيون بعتمة جعلهم في قعر البئر.