الجمعة 4 كانون الأول 1998
– 75 –
“معدل قراءة الإنسان العربي: نصف ساعة في السنة الواحدة”.
بهذه القسوة صدر تقرير منظّمة الأونيسكو تاركاً لنا الذهول والأسى والأسف، على مئات من المؤلّفين والناشرين يجهدون لإيصال مادة القراءة إلى مساحة ديموغرافية من 275 مليوناً. ولولا صدور هذا الرقم عن مصدر جدي موثوق عالمياً، لقلنا إنها حتماً مؤامرة على قرّاء العربية والكتاب الصادر بالعربية.
نصف ساعة في السنة؟ ولو؟ كيف إذن يمضي العرب سائر وقتهم من السنة؟
صحيح أن العربي عاشق للرياضية، ويصرف وقتاً هائلاً على ثقافة القدمين في الملاعب وأمام شاشة التلفزيون متابعاً مباريات كرة القدم وسائر الكرات. وصحيح أنه يصرف وقتاً غير قليل في مقاهي الأرصفة ولعب الطاولة وأحاديث تنظيرية “قيمة” تشاركه فيها سبحته يطقطق فيها على صورة العادة العثمانية العتيقة. وصحيح أنه يصرف من نقوده ووقته حصّة كبرى على شراء الصحف (اليومية، أذن السياسية) والمجلاّت السياسية وما يصاحبها من مجلاّت فنية وترفيهية وتسلوية وسواها.
ولكن… أين الكتاب من كل هذا؟ وأين مؤلفونا الذين يجرجر كتابهم سنوات حتَّى تنفذ نسخه ويتمكن الناشر مممن استرداد رأسماله فلا يصل إلى المؤلف من حصّته إلاّ بقية البقية.
أكان يمكن جبران أن يصبح بهذه العالمية لو كتب إلى “هؤلاء” القرّاء العرب؟ أو جورج شحادة؟ أو أي شاعر أو أديب من عندنا لو لم يكتب في لغة عالمية؟
هل هذه حصيلة ملايين المتعلّمين الذين يحملون شهادات عليا ومعظمهم يزاولون العمل في التدريس الثانوي والجامعي؟ هذا يؤكد مجدداً أن المتعلّم حتماً غير المثقف، وإذا كان حملة الشهادات بعشرات الملايين، فالمثقفون بينهم ليسوا أكثر من ألاف محدودة.
نركز على ما يعنينا الأوحد: لبنان واللبنانيين. ونشدد على هشاشة وسطنا الثقافي المتلقي، لأنه متعلّم غير مثقف. وما نقوله عن القرّاء (مستهلكي الكتاب)، نقوله عن روّاد المسارح والمعارض والريسيتالات الكلاسيكية والكونشرتوات العالمية.
المطلوب: تَثَقُّف الشعب، لا تناسل حملة الشهادات وزيادة العاطلين منهم عن العمل.
وإذا دور وزارة التربية تأمين المعلّم لكل مدرسة، فالمطلوب: سلطة ثقافية عليا تجعل الثقافة في كلّ بيت، بتوفير جرعات ثقافية من كلّ نوع، وبكلفة لا ترهق من يرغب في أية جرعة من ثقافة.