56: صوتها بين الأعمدة

الخميس 23 تَموز 1998
– 56 –
من جديد، تعود القمة التي تشرق من خلفها الشمس على هياكل بعلبك.
بعد ربع قرن، يعود صوتها ليشرق هو شمس الليالي، ويكرج على إدراج بعلبك.
قبل ثلاثة أرباع القرن (1922) وقف نفر من لبنانيين وفرنسيين، بينهم ضابط فرنسي اسمه الجنرال هنري غورو، يلقون شعراً بين الأعمدة، يصغي إليهم، من فوق، قمر بعلبكي عاشق.
وقبل نصف قرن ونيّف (1944)، وقف نفر آخر من اللبنانيين، بينهم زوجة الرئيس شارل دباس، وموسى فريج، وكميل أبو صوان، يمثلون مسرحية أسخيلوس الشهيرة “الفرس”.
وقبل ربع قرن، أفَلَت شمس بعلبك غارقة في عتم طويل، حسبنا معه أن لا خروج منه.
وها نحن خرجنا، وبشمسنا التي حملت لبنان شمساً إلى العالم، في صوتها الأعجوبي الملائكي النسماوي.
صوتها الذي يلغي كل ذاكرة ليبقى هو الذاكرة.
صوتها الذي يؤرّخ لزمننا مكتوباً على إسمها.
صوتها الذي تشربه روحك قبل أن يتقطر في سمعك.
صوتها الموجع من جمال حتَّى فلا وصف له في شرايينك.
صوتها الذي تنسى معه أنّك أنتَ كي لا تفوتك لحظة مما هو.
صوتها الذي ينضح شعراً حتَّى باتت سيّدته “شاعرة الصوت”.
ها هو يعود إلينا من أدراج بعلبك ليعيد إلى بعلبك بصمات المستقبل الآتي إلينا بالفرح.
ومعه، يعود منصور، ويعود الياس، ويعود زياد، ويعود طيف عاصي على الأدارج، بحضوره الذي لا يغيب ولو طال غياب الجسد.
كونوا في السكوت، أيُّها السامعون والعشّاق، وهلموا “إليها” في بعلبك، خاشعين مؤمنين، وليسكب عليكمم صوتها ميرون التراتيل، الحنان وبخور التراتيل، وليكن لكم “صوتها” برق الرجاء والهدايا، صوتها الذي بات عنواناً آخر للوطن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*