الخميس 28 أيار 1998
– 47 –
ما كان يمكن الألبا (الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة) أن تحتفل بخمسينية تأسيسها، بأفضل مما فعلت الأسبوع الماضي في عرض مختارات من أعمال الرعيل الأوّل لخرّيجيها قبل 50 عاماً.
فليس أصح، لقراءة حالتنا التشكيلية اليوم، من قراءة المطالع التي كانت هي الجذور انغمست في التربة الصالحة كي يطيب الجنى على البيادر.
وإذا كان لافتاً أو أولئك الخرّيجين عادوا من فرنسا، في معظمهم، متأثرين بمدرسة باريس، فلم يطل بهم الأمر حتَّى خرجوا من قمقم التلقي الأكاديمي إلى فضاء رحابتهم التشكيلية الذاتية، ليرسموا بالدائرة العريضة نهجاً كان بخطوطه وألوانه وحروفيته الفنية محتذى لا لمن جاؤوا بعدهم وحسب، بل حتَّى بمجايليهم من الدول المجاورة، وللحركة التشكيلية عامة في البلدان العربية.
هنا عظمة المغامرة المبدعة التي خاضها الكبيران ألكسي بطرس وقيصر الجميل (تعاوناً مع فرناندو مانيتي وجورج غاش وماركوفسكي وجورج خوري) في التأسيس لحركة فنية لبنانية ما كان يمكنها لولاهما فترتئذ أن تبصر النور. وهي لم تكن ولادة مدرسة للرسم والتصوير (1943)، بقدر ما كانت اللبنة الأولى لرعيل أوّل تخرّج منه ومعه وعليه رعيل ثان فثالث، وتشكلّت منه حركة تشكيلية لبنانية هي اليوم في الطليعة مستوى فنياً في الشرق.
وكان لافتاً في المعرض وجود أعمال أولى من تلك الفترة التخريجية، دلّت على الخط البياني الواضح الذي بدأه أولئك الطلاّب الطامحون إلى الجديد (أو المستغرب في تلك الحقبة، خصوصاً من ذويهم وأقرب الناس إليهم)، ثمّ تطوروا منه إلى لغتهم التشكيلية الخاصة، غير متخلين عن تعاليم “الشيخ” قيصر، إنما منضوين في تجديد مغهم بطابعهم الخاص فكان تأثيرهم كبيراً في من لحقوا.
بهذه العين السعيدة، قرأنا أعمال الراحلين: جـان خـلـيفة (1925-1978)، مـيشال بصبوص (1921-1981)، فريد عـوّاد (1924-1982)، وتابعنا أعمال من لا يزالون يعملون في إيمان عظيم: إيفيت أشقر (1928)، سعيد عقل (1926)، زافين حاديشيان (1932)، نقولا نمار (1926)، وشفيق عبود (1926) وهو يستعد للعودة إلى محترفه الباريسي منفرداً عن رفاقه بالإنتاج هناك.
مع تحية الإجلال للمؤسس ألكسي بطرس، والمعلّم الرائد قيصر الجميل، وللبادرة الرائعة من إدارة الألبا في تنظيم هذا المعرض استعادة لذكرى كبار في مناسبة كبيرة، ولَمّا اعتبرته الألبا من أن ذاك الرعيل “أحدث ثورة رسم ونحت فنية في لبنان مع النصف الثاني من هذا القرن، والمأمول أن يحدث طلاّب اليوم ثورة فنية ممثالة مع مطلع الألف الثالث”، نلفت الأصدقاء المسؤولين في وزارة الثقافة إلى ضرورة الإسراع في تأسيس “متحف الفن اللبناني الحديث” يضم أعمال روّادنا والكبار كي لا نضطر، عند تنظيم كل معرض استعادي أو استذكاري، أن نركض هنا وهناك نلملم الأعمال من بيوت الناس ومجموعاتهم الخاصة، عوض أن ندعوهم إلى متحف فني في مستوى ريشاتنا المبدعة.