الجمعة 7 آذار 1997
– 17 –
تتواصل الاحتفالات والإصدارات في “خمسينية الياس أبو شبكة”. وربحنا إصدارين، الأول “من” أبو شبكة، والآخر “عنه”.
فالعمل الأكاديمي الأدبي الرصين الذي قام به الدكتور إدوار البستاني، بجمعه مقالات من أبو شبكة في “المعرض” و”المكشوف” و”الأديب” و”المقتطف” وسواها، وإصدارها (عن “دار البستاني للنشر”) ضمن مجموعة “في ذلك الزمان” (كما كان أبو شبكةنفسه يحلم أن يصدرها)، عمل قربنا أكثر إلى أبو شبكة، وجعلنا نكتشف فيه ناثراً مبدعاً بقدر ما هو شاعر مبدع.
عدا المتابعات التي كان أبو شبكة يرصدها، وعدا الثقافة الواسعة التي كان بها يغني مقالاته استشهاداً وتطريزاً، وعدا الغزارة في الكتابة عنده، وعدا روح النكتة والسخرية التي تجلت في تلك الكتابات، اكتشفنا في أبو شبكة أيضاً وأيضاً ما يرضي سعيد تقي الدين بتسمية “الأدب الحيّ”. وأبو شبكة نموذج نابض لـ”الأدب الحيّ”، أو أدب المذكرات أو اليوميات أو السيرة الذاتية التي لا تخجل أمام الـ”أنا” يوردها الكاتب، بدون طاووسية طبعاً، ولكن أيضاً بدون خفر وتواضع.
شكراً للدكتور إدوار البستاني على جهده القيّم، في هذا الجزء الأوّل الذي ستليه أربعة أجزاء “أوراق مطوية” من الياس أبو شبكة، واحدها لقصائده غير المعروفة والمثبوتة هنا وهناك في الصحف والمحلات، وآخر لمسرحية ساخرة من فصل واحد، وجزآن لمقالات أخرى في الأدب والسياسة والاجتماع.
تكريم أبو شبكة؟ لعلّه أرفع وأبقى حين ننشر غير المعروف من تراثه بقلمه، هو الذي لا أظن من قام أو سيقوم بالكلام عليه كما تكلّم هو نفسه على ذاته في حياته، بتلك الصراحة الحافية التي تميز بها شعره ونثره، وكلاهما مرآة صادقة لحياته.
-18-
و… “عن” أبو شبكة، أصدر إيلي مارون خليل كتابه “الياس أبو شبكة والمرأة – شعره كرسي اعترافه” (عن “دار المفيد”) تنقيحاً جيداً لأطروحة جامعية كان قدمها عام 1975 في إشراف أدونيس.
أهمية هذا الكتاب مزدوجة: إنه أكاديمي (ومن هنا الثقة بتقميشه) خضع لمجهر المراجعة الجامعية المسؤولية (ومن هنا الثقة بأدائه)، وأنه بقلم خبير يعرف أبو شبكة جيداً ومن زمان تابعه ويتابعه، سيرة وشعراً وتدريساً وأبحاثاً ومحاضرات واشتراكاً في مهرجانات وندوات عن “أبو شبكة”.
ولعلّ عنوانه الثانوي “شعره كرسي اعترافه” يختصر تماماً عبقرية أبو شبكة في أن يكون كتب وأرخ بنفسه لكتاباته، هو الذي أحب ونشر حبه على الناس في ما هو أقرب إلى المذكرات أو اليوميات منه إلى الشعر المشغول بصناعة من يخفي وراء الصناعة الجماليائية أحداثاً ومعالم وجوه.
لنا عودة إلى هذا الكتاب المتتاز الذي قد يكون بين أبرز ما ستشهده “خمسينية أبو شبكة”.