(الأربعاء 25/02/2004)
ما الفرق في الأذى بين مَن يدخن حَدّي أو قبالتي الى مائدة الطعام فينفث دخان سيجارته منفلشاً على صحون الأكل، ومن يرمي في صحني ذبابةً أو حشرة؟
ما الفرق في الإزعاج بين من يكون حدّي في السهرة فينفث دخان سيجارته على ثيابي ووجهي ورئتَيّ، ومن يدلق على ثيابي أو شعري أو وجهي إبريق زيت ساخن أو عصير بندورة؟
ما الفرق في قلّة الذوق بين من أقول له إن الدخان يزعجني فيستمرّ يدخّن، ومن أقول له إن صوته زنْجاريٌّ نُحاسيٌّ صدِئ، ويصر على الغناء؟
ما الفرق في الوقاحة بين من يصرُّ على تدخين سيجارته أو سيجاره فيملأني سعالاً ولا يهتمّ، ومَن أثبت له أنّ ما يقوله كذب، ويواصل كذبه بعينٍ مفتوحة؟
لو كانت السيجارة حبَّةً يَمتصُّها الْمُدَخِّن فتدخل فيه سمومُها لوحده، لَما كان لنا به أيُّ دَخل. فلْتنشحن رئتاه قاراً، ولسانُه وأَسنانُه قطراناً حتى ينفلق.
أما أن يدخِّن الْمدخِّن فيفلشَ حوله لُهاثَه الْمُنتن، ودخان سيجارته على جوّ الغرفة وثيابنا وكل ما في الغرفة من ستائر وأَثاث وطعام، فهذه وقاحة الأذى لا يأتيها إلاّ قليلو الْحياء.
والْمدخن عادةً لا يستحي. وإذا قلت له إنه يزعجك، لا يرعوي، ويظلّ يدخِّن وينفُث في وجهكَ دخان لهاثِه النتِن ويواصل حديثه. واللامدخِّن عادةً يستحي، فيتضرَّر بصمت، ويتذمّر بصمت، وينْزعج بصمت، ويَحتمل وقاحة القرف بصمت.
قاسٍ هذا الكلام؟ لا. ما زلنا بعدُ في أول الكلام. وآن منذ اليوم ألاَّ يستحي اللامدخِّن، فيبدأَ بِمواجهة الْمُدَخِّن ويقول له: “نعم. إنك تزعجني وتوسِّخ ثيابي إذ تدخِّن، وترغمني على أن أدخِّن بالقوّة، وأنا لا أدخِّن”.