(الأربعاء 18/2/2004)
تعليق أمس الثلثاء كان عن غلاظة اللوحات الإعلانية الكبيرة تحجب عنا بكثافتها نور الشمس.
غير أنّ لَها، هذه اللافتات الإعلانية، غلاظةً أخرى أقربَ الى الوقاحة.
إنّها ظاهرةُ تسليعِ جسَدِ الْمرأة، وإبرازِ مفاتِنِه بشكلٍ وقح، من أجل إعلانٍ لا علاقةَ له بِهذا الْجسد ولا حتى بالْمرأة أحياناً.
فالإعلانُ عن حذاء، يتوسّلُ جسدَ الْمرأة.
والإعلانُ عن ماركة سجائر، يتوسلُ جسدَ الْمرأة.
والإعلانُ عن أدوات منْزلية، يتوسلُ جسدَ الْمرأة.
والإعلانُ عن معدّات وأسمدةٍ وإطاراتِ سيارات، يتوسلُ جسدَ الْمرأة.
ولو كان هذا التوسُّلُ لائقاً، يُبرز وجهَها أو بسمةً منها حالية، لكان الأمر سائغاً ومُحبباً.
أما أن يتوسلَ جسدَها شبهَ عارٍ، وفي أوضاعٍ استفزازيةٍ استثاريةٍ، فإهانةٌ للمرأة، ومُجتمعُنا قائمٌ أساساً على القيم والأخلاق.
طبعاً لا ندعو في هذا الكلام الى التزمُّت والتحجُّر والانغلاق وحبس الْمرأة في زنزانة الْمجتمع الذكوري، لكننا نرفضُ أن تُهانَ الْمرأةُ على هذا الشكل الإعلاني الرخيص، فتهانَ بذلك كلُّ أُمٍّ وكلُّ زوجةٍ وكلُّ أُختٍ وكلُّ شقيقةٍ وكلُّ صديقةٍ وكلُّ… وكُلُّ حبيبة.
حتى الإعلانُ عن الثياب النسائية الداخلية أو قِطَع الْملابس، يُمكن الإعلانُ عنها بصُوَرٍ إلْماحيَّةٍ جمالية رومانسية تَجعل الْجمالَ نقيَّ الْخيال.
أما أن يَعمدَ الإعلانُ الى تسليعِ جسَدِ الْمرأة، للإعلان عن أيِّ بضاعة، فإهانةٌ للمرأة التي لا يَجوزُ استعمالُ جسدِها سلعةً تِجاريةً كالأسمدة والأحذية.
والْمجتمع الذي ينحَطُّ استهلاكياً الى تسليعِ جسدِ الْمرأة، صائرٌ حتماً الى أن يصبحَ هو نفسُهُ سِلعة، يُنجبُ جيلاً فاقدَ القيَم يتناسلُ سلعةً فسلعة.
وجيلٌ كهذا، لا يليقُ أن يكون من أصالةٍ هي عنوانُ مُجتمعِ لبنان.