هنري زغيب
في الجزء الأَول من هذا المقال عرضْتُ ملامحَ وظروفًا من كتاب “أَيامَ النساء حكَمْنَ العالَـم – سيرة ست ملكات من مصر القديمة” للباحثة الأَميركية خبيرة الآثار المصرية كارا كُوني. وفي هذا الجزء الأَخير أَعرض للملكات الست اللواتي درسَتْهُنَّ كوني في تحقيق علمي دقيق.
كان لا بدَّ من رجوعي إِلى مصادر مختلفة أُخرى كي أُلملم معلومات إِضافية عن الملكات الست، وهنا نبدة وميضة عن كلٍّ منهنّ.
- ميريت نيث: إِنها أَول ملكة في تاريخ العالم. هي من السلالة الفرعونية الأُولى. يرى مؤَرخون أَن زوجها “جِت” كان الحاكم لا هي. لكن ذلك غيرُ مُثْبَت، ففي وثائق أَنها حكمت مصر فترة غير قصيرة، نحو سنة 2950 ق.م. معنى اسمها: “حبيبةُ نيث”، وعلى نصبها رموز تدل على الأُلوهة في تلك الحقبة المصرية القديمة. يذهب بعض الخبراء إِلى أنها حفيدة الفرعون الأَول “نارمر” الذي وحّد مصر في زمنه. لها ولد اسمه “دِن” تولَّى العرش بعدها.
- سوبيك نيفيرو: تولَّت عرش مصر بعد وفاة أَخيها (ويقال زوجها) آمينيمحات الرابع. هي آخر ملوك السلالة الفرعونية الثانية عشرة في المملكة الوُسطى. معنى اسمها: “جمال سوبيك”. أَمَّنت شرعية حكْمها من والدها آمينيمحات الثالث. حكمَت نحو 4 سنوات ق.م. (1806 – 1802) وتحديدًا: 3 سنوات و10 أَشهر و24 يومًا، وفْق “لائحة تورينو الملَكية”، الموجودة في متحف تورينو (إِيطاليا) بالكتابة الهيروغليفية على ورق البردى، وهي لائحة الملوك الفراعنة حتى حكْم رعمسيس الثاني. تولت سوبيك الحكْم كليًا بدون أَعوان، وتميَّزت عن حكم من سبَقها من الملوك. هي أَول ملكة يحمل اسمها شعار الإِله سوبيك. لم تصلنا وثائق كثيرة عن حكْمها، سوى بعض التماثيل الصغيرة، أَحدُها فقط لوجهها وحده، ونقوش أخرى لم يتم تفكيكها بعد. وورد في بعض النصوص أَن الهرم الشمالي في مزغونة (ناحية من مدينة البدرشين في محافظة الجيزة) أُنشئَ لأَجلها، لكنَّ ذلك لم يثبت بعدُ علميًّا. الهرم اليوم مهمَل ولا يبقى منه سوى أَطلال. وفي نَص على ورق البردى اكتُشف أَخيرًا ذكْرُ مكان يدعي “سِخِن” يمكن أَن يعود إِلى موقع ذاك الهرم الدارس.
- حاتْشِبْسُوتْ: معنى اسمها “السيدة النبيلة”. يقال إِنها ولدت من لقاء “حميم” بين الإِله أَمون والملكة إحمس. ويقال إِنها ابنة تحوتمس الأَول ومن أَقوى الملكات اللائي حكمْن مصر، والأَقوى نُفوذًا، لأن ولايتها (الخامسة في تسلسل السلالة) كانت علامة بارزة لا في السلالة الفرعونية الثامنة عشرة وحسْب بل في كل تاريخ مصر القديم. تولَّت العرش بعد وفاة زوجها تحوتمس الثاني لتكون وصية على الملك القاصر تحوتمس الثالث (وهو ابن تحوتمس الثاني من امرأَة أُخرى وأَول وريث ذَكَر في السُلالة). حكمت بين 1507 و1458( ق.م.). وهي ثاني ملكة حكمَت بعد الملكة سوبيك نيفيرو.
- نفرتيتي: من السلالة الفرعونية الثامنة عشرة. معنى اسمها “جاءَت الجميلة”. هي زوجة الملك أَمَنْحوتب الرابع الذي أَصبح لاحقًا أَخناتون (فرعون السلالة الثامنة عشرة) وستكون لاحقًا حماة توت عنخ أَمون. يروى أَنها من أَقوى النساء في مصر القديمة. حكمَت بين 1370 و1330 (ق.م.) وكانت لها منزلة رفيعة أَثناء حكم زوجها ولم تعش طويلًا بعد وفاته. شُوِّهَت صُورُها بعد وفاتها. وهي اليوم شهيرةٌ بتمثال نصفي لوجهها المنحوت على حجر جيري في واحدة من أَروع القطع الفنية من العصر القديم، موجود حاليًا في متحف برلين الجديد. وهو بين أَندر القطع الفنية الخالدة من مصر القديمة، يُعزى إِلى النحات تحوتموس نحو 1350 ق.م. (النحات الرسمي لدى أَخناتون) وهو وُجد على باب محترفه. من مآثرها وزوجها أَخناتون إِحداث تغيير جذري في الطقوس الدينية الوطنية المتعددة الآلهة، والاتجاه صوب إِله الشمس الواحد “آتِن”. يقال إن عهدها بعد عهد زوجها كان الأَغنى في تاريخ مصر القديم. وعلى عهدها انهارت مملكة العمارنة وانتقلَت العاصمة من العمارنة إِلى طيبة (مدينة على طول نهر النيل، نحو 800 كيلومتر جنوبي المتوسط، أَطلالها اليوم ضمن مدينة الأقصر).
- تاوُسْرِت: معنى اسمها في الحكم: “سيتر مريامون” أَي “ابنة رع، حبيبة أَمون”. هي آخر السلالة التاسعة عشرة، وآخر ملكة مصرية المولد تحكم بلادها. تولَّت العرش سبع سنوات مشاركة مع سَلَفِها سِبْتَة، إِنما استقلَّت به سنة واحدة (1191-1190 ق.م.). ومن حفريات قامت بها بعثة من جامعة أَريزونا في مصر انكشف معبدها (“معبد ملايين السنين”) في مدينة القُرنة (على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل مدينة الأُقصر الجديدة قرب تلال طيبة) وهو تَـمَّ بناؤْه على حياتها.
- كليوباترا: عُرفَت بــ”كليوباترا فيلوباتر” (69 – 10 ق.م.) . هي آخر السلالة المقدونية. حكمَت مصر بعد وفاة الإِسكندر بين 51 و30 (ق.م.). كانت جميلة جدًّا وذات شخصية قوية وذكية، أَسَرَت بحبها الرجال الذين أَحبُّوها. مع أَن لغتها الأُمّ إِغريقية، تفرَّدَت بتَعَلُّمها اللغة المصرية حتى إِتقانها. نزاعُها مع أَخيها بطليموس الثالث عشر سبَّب طردها من مصر التي كانت فترتئذٍ مملكةً تحت الحماية الرومانية، وكانت أَهراءَ قمحِ الشعب الروماني. عملت كليوباترا على العودة إِلى مصر، بمساعدة يوليوس قيصر، فأَسرتْه بجمالها وأَقنعتْه أَنها ستكون في الحكم أَفضل من أخيها. ساعدَها القيصر فتغلَّبت على أخيها بطليموس وتولَّت العرش. بعد مصرع يوليوس قيصر واقتسام أُوكتافيوس وماركوس أنطونيوس العالم الروماني، كانت مملكة كليوباترا من نصيب ماركوس أَنطونيوس الذي أُغرم بها كثيرًا ما سبَّب فقدانَه حظْوته في روما، وانتهى به الأَمر إِلى الانتحار إِثر انتصار أوكتافيوس عليه بعد معركة أَكتيوم سنة 31 ق.م. وحين تناهى إِلى كليوباترا انتحارُ حبيبها انتحرت بعده مباشرةً. بعد وفاتها أَصبحت مصر مقاطعة تابعة للأَمبراطورية الرومانية معلنةً نهاية العصر الذي ابتدأَ مع الإِسكندر الكبير (336-323 ق.م.).
كلام الصور:
- الملكة ميريت نيث
- الملكة سوبيك نيفيرو
- الملكة حادْشِبْسُوت
- الملكة نفرتيتي
- الملكة تاوُسْرِت
- الملكة كليوباترا