بليغةً كانت الدعوةُ إِلى الاحتفالات، ثلاثةَ أَيامِ نهايةِ الأُسبوع الماضي في هيوستن، بما فيها من مصطلَح وصلاح.
وصلَتْني الدعوة هكذا: فتاةٌ حاملةٌ شمعةً مضاءَة، حولها شعارُ الجهة الداعية: “المركز الثقافي اللبناني الأَميركي”، وشعارُ “مركز سرطان الأَطفال”. وفي نص الدعوة: “أَضيئوا شمعةً ولْنتَشارَك الأَمل – احتفال “شموع الأَمل”، ريعُهُ لمركز سرطان الأَطفال في لبنان” – المكان: “حقل الكواكب”، هيوستن، الجمعة 30 أَيلول والسبت والأَحد 1 و2 تشرين الأَول”. وكانت أُمسياتٌ ثلاثٌ وَسَمَها منظِّموها بــــ”ليالي لبنان”، رصَّعها المؤَلفُ الموسيقي اللبناني المبدع جمال أَبو الحسن بمشهديَّته الفريدة موسيقًى تُرافقُها مشاهدُ من لبنان.
وتقاطر اللبنانيون إِلى هيوستن من مُدُن تكساس البعيدة والقريبة، يشاركون في الاحتفال، ويتبرَّعون بما تَيَسَّر لديهم، بين آلاف الدولارات وطفل في السابعة تبرَّع بخمسة دولارات وهو يقول: “هذا لرفاقي الأَطفال المرضى بالسرطان في لبنان”.
تابع الحضور موكبًا لبنانيًا حمَل الكثير من الرموز والإِشارات اللبنانية، مُرفَقًا بأُغنيات لبنانية وزفَّة عرس لبناني، ومشاهدَ منوعةٍ من العادات الريفية اللبنانية، ما أَعاد اللبنانيين في هيوستن إِلى قُراهم وضياعهم ومدُنهم على أَرضهم الأُم التي غادَروها جسدًا ولم تغادِرهم روحًا وفكرًا ونوستالجيا لا تطفئها المسافات.
كثيرين جاؤُوا إِلى “ليالي لبنان”، موحَّدين في صوتهم وإِيمانهم ومعتقداتهم. من جميع مناطق لبنان كانوا، ومن جميع العائلات الروحية اللبنانية. لم يسأَل أَحد عن مذهب الآخر ولا عن انتمائه السياسي، فهُم هناك مذهبٌ واحد للبنان اللبناني، وانتماءٌ واحد إِلى لبنان اللبناني. وتوَّج هذا الإِيمانَ العالي في الاحتفال خطابُ اللبناني الكبير الدكتور فيليب سالم الحامل قضية لبنان إِلى المنابر الأَميركية، والمنابر الدوَلية عبر صحافة لبنان وإِعلام لبنان إِلى العالم.
قال فيليب سالم في الحضور: “نجتمع هنا كي نُضيْءَ شمعةً في ليل كثيف. كلُّ واحد منا فلْيتساءَل: “ما الذي أَستطيعه لشعبنا في لبنان”؟ وإِذا كلُّ واحد منَّا أَنار شمعةً يمكننا أَن نضيْءَ كلَّ لبنان. الحاجاتُ في لبنان اليوم مُلِحَّة وهائلة، في طليعتها فقدانُ أَدوية سرطان الأَطفال. وليس أَشدَّ ذُلًّا في بلادٍ من أَن يحتاج مريضٌ دواءً ولا يتوفَّر له”. وقال فيليب سالم: “مركز أَندرسون الطبي للسرطان في هيوستن، وهو أَكبر مركز من نوعه في أَميركا، لي فيه طلَّاب أَرسلتُهم إِليه منذ كنتُ لدى الجامعة الأَميركية في بيروت قبل نصف قرن، معظمُهم باتوا اليوم من أَعلام طب السرطان. ولا بلدٌ في العالم له في هذا المركز ما لِلُبنان من أَطباء. وهذه علامة ساطعة من علامات لبنان الشهير في الدنيا لا بأَعمال حكوماته وحاكميه بل بإِسهام أَدمغةِ أَبنائه في معظم الحقول المعرفية لدى معظم بلدان العالم”.
بلى، معه حق فيليب سالم: لبنانُ لا يقاس بجغرافياه ولا بديموغرافياه بل بإِبداعوغرافياه ممتدَّةً على مساحة العالم. هي هذه فرادةُ لبنان نَسَجَها اللبنانيون شمعةَ أَمل في هيوستن فجعلوا هيوستن لثلاثِ ليالٍ مدينةً لبنانيةً يتخلَّلُها بعضُ الأَميركيين.
وما بسوى ذلك يعتزُّ لبنان بأَبنائه في العالم، قال عنهم جبران إِنهم “السُرُجُ التي لا تطفِئُها الرياح”، وقال فيهم سعيد عقل: “أَهلي؟ النورُ منبِتُهُم، عالُون كالأَرز جارِ الله، ما رُغِموا، ما نكَّسوا هامةً إِلَّا لخالقها، إِلَّا للبنان ما دانوا وما احتكَموا”.
هـنـري زغـيـب