بعد حلقة الأَحد الماضي (“مهزلة الرُؤَساء الثلاثة”) لم أَتوقَّع أَن تنهال عليَّ الرُدُود، كتابيُّها والهاتفيّ، كما حصل مطلع هذا الأُسبوع، ليعبِّر أَصحابُها كم أَنَّ تلك الحلقة عكَسَت تفكيرَهم وغضبَهم وانفعالاتهم ضدَّ ترويكا يتقاذف أَركانُها الثلاثةُ الاتهامات بالتقصير والتعطيل، وتَخرج اتهاماتُهم علَنًا على اللبنانيين هنا على الأَرض الأُم وفي الـمَهاجر اللبنانية، فيَرَوْن الدولة تتحلَّل وتنزلِق كالزئبق من بين الأَصابع، وليس من يتحرَّك للإِنقاذ، ولا هَمَّ لهؤُلاء الثلاثة الترويكيين إِلَّا أَن يُثَبِّتوا عنادهم ومَوَاقِفَهم تجاه شعبيَّتهم ومحاسيبهم وأَزلامهم، لا يَحسَبون لبُؤْس الناس حسابًا، ولا لتقاريرَ يرفعها من لبنان سفراءُ عربٌ وأَجانبُ لدولهم فتقرأَ هذه التقاريرَ وتعي أَكثرَ فأَكثر أَيَّ صنْف من السياسيين هؤُلاء الذين يَحْكُمُون لبنان.
وعلى سيرة الحُكْم، تصدف أَن هذه الظاهرة الترويكية الـمَرَضية القاتلة، تتأَجَّج أَكثر، هذه الأيام، وسْط أَتُون حارق لاهب متفجِّر تجري داخلَه الاستعدادات الحامية للاستحقاق الرئاسي بعد حفنة أَسابيع.
ويروح المنظِّرون والمحلِّلون والباحثون والخبراء والمعنيون يملأُون الصحافة والإِعلام، مسموعَه والمرئي، ومثلُهم أَهلُ الصحافة والإِعلام، في استباق الحدث، ومحاولات التحليل والتبديل بين مرشَّح آخر، فيحرِّكون أَسماء المرشحين كأَنهم حجارة داما أَو دومينو، ويرقِّصون الأَسماء بين “دشش” و”دوسه” و”شش بش” و”سي وَدو”، وفي ذلك إِهانةُ أَصحاب تلك الأَسماء.
ويزيد في البهدلة أَن المتداوَلين من المرشَّحين هم ممَّن في الحُكْم اليوم أَو كانوا فيه، كأَننا قبيلة أَو مزرعة أَو مقاطعة، مكتوبٌ علينا أَلَّا يحكمَنا إِلَّا واحد من الأُسرة السياسية التي هي ذاتُها أَوصلَت لبنان إِلى بؤْسه الحالي، أَو سكَتَتْ عنه، أَو عجِزَت عن تَدَارُكه. فإِمَّا واحد من هؤُلاء، أَو أَحدٌ من أُسرته العائلية أَو السياسية، كأَنما ليس مكتوبًا لنا أَن يَحكُم لبنانَ مبدعٌ خلَّاقٌ من خارج السلَّة المطروحة، فيأْتي من داخل لبنان أَو من أَحد مَهَاجر لبنان في العالم، ويكون بعضًا من ديغول أَو نبذةً من فؤَاد شهاب.
حين انتخب الأَميركيون جورج دبليو بوش، لم يؤَيِّدوه لأَنه ابنُ أَبيه جورج بوش، بل لأَن حزبَه الجمهوري رشَّحه بناءً على برنامج أَقنع ناخبيه فاقترعوا له، ولم ينتخبوه قبائليًّا مزرعجيًّا إِقطاعيًّا كما تجري عندنا الانتخابات البرلمانية، وتنسحب على الاختيارات الحكومية والرئاسية بدون برنامج يقدَّمُ للشعب كي يقترع على أَساس البرنامج لا على أَساس الشخص استزلاميًّا ببَّغاويًّا عميانيًّا قطعانيًّا فيكون رئيسًا بثلاثة رُؤُوس، أَو تابعًا لجهة، أَو مَدينًا لأَحد، أَو مُسَدِّدًا فواتيرَ معاهدةٍ أَو اتفاقٍ أَو وَرَقَةِ تفاهُم.
الاستحقاق الرئاسي هذه الفترة بالذات مفصل تاريخي؟؟؟ صحيح. لذا، بعيدًا عن تقارير السفراء وتفكير المعنيين برئيس ذي وجه اقتصادي أَو مالي أَو أَمني، مطلوبٌ أَن يُفَكِّروا برئيس ذي رؤْية مبدعة يُدير بها الوضع الاقتصادي والمالي والأَمني، فالمهمُّ ليس “ماذا يدير” بل “كيف يدير ماذا”، بحكمةٍ وحنكةٍ ودراسة، وخصوصًا خصوصًا يكون ذا شخصية حازمة حاسمة عازمة تجعلُه يتحرَّر من مخالب دينوصورات السياسة الحاكمين المتحكِّمين بمفاصل البلاد.
رئيس حازم حاسم عازم؟ موجود… حتمًا موجود… وننتظره بإِلحاحٍ كي نفتح معه في فضائنا كوَّةً نحو السماء.
هـنـري زغـيـب