وجَد أَصدقاء مبالغةً في تسميتي “أُعجوبة الحب” بين الياس أَبو شبكة وحبيبته ليلى (مقالي السبت الماضي “في كلّ مبدعٍ خَيبَةُ پيغماليون” – أَزرار 1230). غير أَنهم لا يعرفون تفاصيلَ عرفْـتُها من ليلى في جلساتي إِليها منذ 1972حتى غيابها (2005) باحت خلالَها بما يمكن نشْرُه فنشرتُه في كتابي “الياس أَبو شبكة من الذكرى إِلى الذاكرة”.
مبالغة؟ حبَّذا لو يعلمون كم لهبًا عاصفًا كان ذاك الحب: في قلبه حتى وفاته (1947) وفي قلبها حتى وفاتها بعده بــــ58 سنة.
وكيف لا تكون “أُعجوبةَ حب”، هو الذي كسَر كلَّ “تابو” لأَجلها، وهي التي تخطَّت كلَّ صعوبة لأَجله؟
هو الذي كان يقصد غرفة صديقه جورج غريِّب في مدرسة عينطورة، حاملًا ناضورًا ويجلس إِلى نافذة الغرفة كي “يلتقي بليلى” التي كانت تعرف التوقيت فتجلس في الباحة خارج بيتها مُدركةً أَنه في تلك الدقائق بالذات “يراها” بالناضور من بَعيد.
هي التي، بطلَبٍ منه، انسحبَت مع أَولادها ثلاثة أَيام إِلى كابيلَّا في أَعلى زوق مكايل تكتُب يوميات وانطباعات (بالفرنسية التي تُتْقنها)، فتَرجَم صفحةً منها شِعرًا هي قصيدة “الناسكة” (مجموعته “نداء القلب” – 1944).
هو الذي كان يومًا ينتظر هاتفها من بيت أَهلها (في الشيَّاح) كي توافيه إِلى عيادة شقيقها الطبيب (مبنى “الغران تياتر”) حتى إِذا اتصلَتْ معتذرة “لضُغُوط عائلية” أُغميَ عليه فحملَه إِلى المستشفى زميلاه في مكتب “المفوضية الفرنسية العليا” ميشال أَسمر ورئيف خوري.
هي التي كانت تضع رسائلها إِليه في جزدانها وتحملُه إِلى الكنيسة نهار الأَحد فتجلس خلْف صديقتها التي تجلس أَمامها فاتحةً جزدانها كي تضع فيه ليلى رسائلَها إِلى الياس وتأْخذ منه رسائلَه إِليها.
هو الذي تأَخَّر ذات ليلة في الجريدة (“صوت الأَحرار” – بيروت) ولم يجد سيارةً فعاد مشيًا من بيروت إِلى الزوق لأَنه كان على موعد باكرٍ معها صباح اليوم التالي.
هي التي دلَفَت متأَخرة ذات ليلة إِلى بيت خادمتها القريب من بيتها في الزوق حتى يوافيها إِليه، وأَمضَيَا معًا ليلةَ بكاءٍ قمريةً إِذ كان “الحصار الزوجي” اشتدَّ عليها وتجنَّدَ لمراقبتها حرَّاس وأَولياء.
هو الذي كان يسهر قُبالة بيتها وسْط المقابر من بعيد، فتجلس إِلى شباكها ولو انها لا تراه لكنها تعرف أَنه هناك، فلا يؤُوب إِلى بيته حتى تُطفئَ ضوء القنديل في غرفتها.
هي التي كانت تصحب أَولادها غروبًا صوب بيته في الزوق حتى تمرَّ بُرهةً بنافذة بيته فتُناوله رسائلها إِليه وتأْخذ منه رسائله إِليها.
هو الذي كان صيفًا ينزل إِلى بيروت بالشاحنة صباحًا من مصيفه في حراجل لأَن الشاحنة تمر أَمام بيتها الصيفي في عجلتون، فتنتظرُه على شرفتها كي يَرفع شادر الشاحنة ويَراها ولو لحظاتٍ هاربة.
هي التي عند وفاته لبسَت فستانًا أَسْوَد خمس سنوات حدادًا جسَّدَهُ توفيق يوسف عواد في قصيدته عنها “ذات الوشاح الأَسْود”.
هو الذي أَحرق نصف قصيدته الطويلة “غلواء” إِكرامًا لليلى كي لا يكون نشَر شعرَ حُب في سواها منذ عرفها (1940) فأَصدرها سنة 1945 وصدَّرها بأَنَّ ما في القصيدة “من خيال الشاعر لا من حياته”.
هي التي كانت تطلب مني زيارتها ما إِلَّا كي أَقرأَ لها تكرارًا من قصائده لها في “نداء القلب” و”إِلى الأَبد”.
هو الذي… هي التي… وأَكثرَ، بعدُ، أَكثر… ولا تنتهي “أَخبارُهما” في ذاكرتي مما يجوز نَشْره.
بلى: كنتُ شاهدًا على “أُعجوبة حُب حقيقية في هذا العصر”، هي التي جعلَتْني أَكتب عن “خيبة پــيــغـماليون”، فما كلُّ مبدع يَمنحُه قَدَرُه امرأَةً استثنائية مثل ليلى، ولا كلُّ امرأَة جديرة بأَن يكون بيتُها في قصيدة شاعر.
هـنـري زغـيـب