في همبورغ مؤَسسة أَلمانية تُدعى “ستاتيستا” (تأَسَّسَت سنة 2007) مختصَّة بالتسويق وتخزين قاعدة معلومات حول العالم تأْتيها من شركات مختصة بالإِحصاءات، بينها شركة “غالوب” (أَسسها جورج غالوب في واشنطن سنة 1935) تُعنى بتحليل الإِحصاءات والاستبيانات والدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأْي العام.
من معلومات “ستاتيستا” نقلًا عن استطلاعات شركة “غالوب” بين 100 دولة في العالم، طالعتُ أَربعة استطلاعات:
- الشعبُ الأَكثرُ غضبًا ونقمةً، فإِذا شعبُ لبنان أَكثر شعوب العالم نقمةً على حُكَّامه.
- الشعبُ الأَكثرُ حُزْنًا ويأْسًا، فإِذا شعبُ لبنان هو الثاني بعد أَفغانستان.
- الشعبُ الأَكثرُ قلَقًا على الأَمان فيه، فإِذا شعبُ لبنان الثالث بعد البرازيل وأَفغانستان.
- الشعبُ الأَكثرُ احترامًا من حكَّامه، فلم يَظهَر لِلُبنان أَثرٌ بين أَول خمسين دولةً في العالم.
من هذه الأَربعة الاستطلاعات، ولضيق الوقت، أَتوقَّف فقط عند الأَول: شعبُ لبنان أَكثرُ شعوبِ العالم نقمةً على حكَّامه.
طبعًا شعب لبنان هو الأَكثرُ غضبًا ونقمة بين شعوب العالم.
وكيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه، وهُم يتوارثون الحكْم أَبًا عن جَدّ فيسوقون البلاد بمنطق الإِقطاعيين؟
كيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه، وهُم أَوصلوه إِلى الذُلّ والجوع فيما هم ساهون عنه لاهون بمحاصصاتهم السياسية؟
كيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه، وهُم أَسوأُ طبقة حاكمة وأَفشلُ طبقة حاكمة بشهادة الدُوَل عربيِّها والعالَميّ؟
كيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه، وهو يراهُم غيرَ آبهين لصراخه واستغاثاته وفقْره وانقطاع موارده وحجْز أَمواله وفُقدان فرص العمل وفُقدان الأَمل وفُقدان الثقة، فيما هُم مأْخوذون بترتيب وضعهم السياسي كأَن الفاجعةَ الشعبيةَ في بلَد آخَر؟
كيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه وهو يخاف أَن يمرض ولا دواء، ويخاف أَن يدخل المستشفى ولا قدرة له على الاستشفاء، ويُقتِّر على أُسرته لعجزه عن تأْمين أَبسط متطلِّباتها، وينهار تحت وضعه المالي أَمام وحش الدولار الذي لا تَفعل الدولة شيئًا لِلَجْم توحُّشه أَمام ليرة لبنانية بات كيلو الورق منها أَغلى من قيمتها الشرائية؟
كيف لا يغضَبُ شعبُ لبنان على حُكَّامه، وهو يراهم ليليًّا على الشاشات، بكل عهرٍ وصفاقةٍ يوزِّعون تنظيرتهم الجوفاء وتصاريحهم العوراء ووعودَهم البلهاء واجتماعاتهم الرعناء، ولا يُجدي أَيٌّ منها لإِعانة شعب لبنان في أَبسط حاجاته؟
ولكنْ… هل كلُّ شعب لبنان غاضبٌ على حُكَّامه؟
لا. مع الأَسف: لا. ففي شعبنا بعدُ قطعانُ أَغبياء جهلة ببَّغاويين مستزلمين مستسلمين عميانيًّا أَعادوا انتخاب مَن هُم في أَساس فواجعنا فأَعادوهم إِلى مجلس النواب يواصلون الدَجَل السياسي والتحكُّمَ برقاب الشعب وامتطاءَ ظهر الشعب الغبي الجاهل.
هذه الفئة من الشعب مسؤُولة عمَّا يُصيب شعبَنا من حُكْم الزبائنيين الدكتاتوريين الدينوصوريين الذي ما برحوا هُم هُم في مفاصل الدولة منذ عقود، يُوَرِّثون لنا نَسْلَهم ويتحكَّم نسلُهم بشعبنا فَيَتَواصَل الذُلُّ والقهرُ واستنساخُ الفواجع.
لِمن نشكو؟ لا لأَحدٍ من خارج بل لشعبنا ذاتِه. فحين انبرى بعضُ ثوَّارنا يَشْكون بُؤْسَنا للرئيس ماكرون في قصر الصنوبر بادرَهُم بسُؤَال بديهي: “أَلَيْس شعبُكُم مَن انتخبَ هؤُلاء السياسيين”؟
معه حق، هذا الماكرون. الماكرون في شعبنا هم أَعادوا الأَصنام الذين سبَّبوا بَلاءَنا. ولا خلاصَ لنا من هذا البلاء إِلَّا بالخلاص منهم، حتى يهدأَ غضَبُ شعبنا ويختفي لبنان من استطلاعاتٍ تَجعلُه الأَول في العالم بِغَضَب شعبه على الحُكَّام، فيعودُ الأَولَ في الدور الذي يمكن أَن يَلْعَبَه لبنان حين تختفي من شعبنا قطعانُ الببَّغاويين.
هـنـري زغـيـب