ساد الهلع قبل أَيام لفقدان البنج من المستشفيات. وتكرَّرت مهزلةُ كُرةٍ يترافَسُها المعنيون بين صاحب المستشفى والمستورِد والوكيل وتراجُع احتياط المصرف المركزي وتقنين استيراد الأَدوية والدعم ورفع الدعم والموافَقات المسبقة، حتى يَطُوشَ المواطن من غير تأْخير ويهلعَ من إِصابته بمرضٍ خطير وينتظرَ موته من دون تخدير.
والحل لدى المعنيين “أن يفتح المصرف المركزي اعتمادات للتجار فيستوردوا، أو أن يَرفعَ الدعم ليتمكنوا من الاستيراد المباشِر”.
وبين التُجَّار في السوق والفُجَّار في السلطة، يَهلَع المواطن من انكشاف بيته بلا سقْف ولا حماية، وتَعَرُّضِه لويلات داهمة ومخاطر يومية، لا من يسأَل عنه ولا من يسعى إِلى رفع تلك الويلات عنه والـمَخاطر.
لكن معضلة البنْج ليست جديدةً على المواطن الـمُخدَّر بدون بنج. فأَهلُ السلطة طائفون إِهمالًا على رؤُوس المواطنين، وأَهلُ الطوائف والسياسيون الطوائفيون يوزِّعون على أَزلامهم ومحاسيبهم آخرَ ما صنَّعوا بأَكاذيبهم من أَنواع البنْج.
ونظرة عجلى على الخطاب السياسي لدى الـمُرْشَحين إِلى استحقاق 15 أَيار، كافيةٌ لاستطلاع البنج الذي يخدِّرون به “المواطنين الأَحباء”، فتطغى وعودُهم المخدِّرة الكذَّابة على أَفكار مُرَشَّحين جُدُدٍ يقدِّمُ معظمهم برامجَ جِدِّيةً رصينةً علْمية ليس فيها تخدير بل تقدير مواضع الخلل وحلولُهم لها.
لذا قلتُ في العنوان إِنَّ بنْج المستشفيات مفقود لكنَّ بنْج السلطة موجود، وبوفرة، وبكثرة، وبدون عناء سوى كثرة الحكي، وكثرة الوُعُود، وكثرة التصاريح، وكثرة الشعارات الجوفاء وكثرة الأَكاذيب الشعواء، فيتخدَّر المواطن ويدوخُ من دون بنْج ولا مخدِّر ولا من يَهتمُّ بما يعانيه كلَّ يومٍ من الدجَل والخجَل.
وآخرُ مظاهر الخجَل لدى المواطنين: ما أَخبرَنيه صديقٌ أَمس أَنه دخلَ محلًّا تجاريًّا في البقاع الغربي، فسأَله صاحب المحل إِن كان يريد لوضْع مشترياته كيسًا شفَّافًا أَو أَسوَدَ سميكًا. استغرب صديقيَ السؤَال فأَجابه صاحب المحل أَنَّ زبائنه يخجلون من أَن يرى أَحد شَحَّ ما اشْتَرَوه من بضْع حبَّاتِ فَوَاكه أَو حفْنة خُضَر، بعدما كانوا يشترونها بالكيلوَات الوفيرة، خُضَرًا وفواكه وسائر المشتريات.
بلى: المواطنون يَخجلون من ضآلة مشترياتهم وأَهلُ السُلْطة لا يَخجلون من بيع المواطنين مخدِّراتٍ لفظيةً وبنْجًا انتخابيًّا كذَّابًا وشعاراتٍ حيطانيةً غشَّاشة. وإن لم تصُحَّ وُعُودُهم، جوابُهُم حاضر جاهز أَنَّ الحق على الآخَرين، دومًا على الآخَرين.
وحدَها الصادقةُ التي لا يَفعَل فيها بنْجٌ ولا مخدِّر ولا كذِب: وحدَها ورقةٌ صغيرة، نهار 15 أَيار، تَسقط في صندوقة الاقتراع فتُسقِط أَدوية التخدير ويَسقُطُ بها الكذَّابون، فلا يعودون إِلى تخدير الناس موضعيًّا لأَن السقوط في الانتخابات بنْجٌ عُمُوميٌّ حاسمٌ حازم، لا قيامَ بعده ولا شِفاء.
هـنـري زغـيـب