صباح الفصح والقيامة والرجاء !
أَمَّا الفصح فبَعد طويلِ جلجلة، أَمَّا القيامة فبَعد موتِ الثلاثة الأَيام، وأَمَّا الرجاء فبَعد انتصارٍ على اليأْس.
وإِذا ابنُ مريم احتملَ الجلجلة، ودَحرَجَ الحجر، ومنَحَ الرجاء الصالح لبني البشر، فالعينُ ما زالت مبلَّلة حيالَ شعب لبنان الْـما زال مصلوبًا بلا فصحٍ ولا قيامةٍ ولا رجاء.
وإِذا يسوع حمل صليبَه مراحل أَربع عشْرةً على درب الآلام، وعلَّقَ الأَرض على المياه، ووطِئَ الموتَ بالموت، وانتصر على صالبيه البيلاطُسيين من أَهل اليهود، فشعبُ لبنان ما زال يَعبُر دروبَ آلامِه، مرحلةً قاسيةً بعد مرحلةٍ أَقسى، حاملًا رجاءَ الانتصار على صالبيه من أَهل البيت.
وكيف لا يكون صالبُوه بيلاطُسيِّـي البيت، وهو يَراهُم حاملين سياطَهم ليجلُدوه ويغسِلوا أَياديهم العاهرة من دمائه الطاهرة.
أَكتُب هذا النص، وأَمامي عددٌ قديمٌ، عمره 95 سنة، من جريدة “الأَحرار” التي أَطلَقَها في 6 كانون الأَول 1924 جبران تويني قبل تسع سنواتٍ من تأْسيسه جريدة “النهار” في 4 آب 1933.
وبحسه الصحافي الرائد، أَصدر جبران تويني ملحقًا أُسبوعيًّا لـ”الأَحرار” سمَّاه “الأَحرار المصورة” وَوَسَمَهُ “جريدة أُسبوعية أَدبية انتقادية فكاهية”، أَصدر عددَه الأَول في 11 كانون الثاني 1926، واستمرَّ به 50 عددًا حتى حزيران 1927.
قلتُ إِنني أَكتُب هذا النص، وأَمامي العدد 48 من “الأَحرار المصوَّرة”، نهار الأَحد 29 أَيار 1927. وسأَكتفي بقراءَة عناوين الغلاف، فإِذا هي تباعًا: “انتخابات ومقاطعة ومجالس نيابية مطعون في شرعيَّتها، البحث في إِلغاء الطائفية السياسية من الدُستور، جِدال حول ديكتاتورية المجلس، سُقُوط سعر صرف الليرة، انقسام سياسي حول إِجراء الانتخابات البلدية، قانون الإِيجارات موضوع جدَل، مشكلة تجنيس المهاجرين، نقاش حول الحدود اللبنانية الفلسطينية، أَموال البلاد بين السرقات والحرائق،…”.
أَكتفي بهذا القدْر من العناوين، وأُفَكِّر: هل بعدُ نَسأَل لماذا شعبُ لبنان ما زال مصلوبًا بلا فصحٍ ولا قيامةٍ ولا رجاء؟
وكيف لا يكونُهُ، وقبْل 95 سنة نشرت الجريدةُ عناوينَ أَخبارٍ ومواقفَ ما زالت تتناسل حتى اليوم؟
وكيف لا تتناسل، والنسْلُ ذاته يَحكُم دولة لبنان من جَدٍّ لولَدٍ لحفيدٍ حتى اليوم؟
وكيف لا يتمثَّل الأَحفاد اليوم بآبائهم وأَجدادهم بالأَمس، وهم مَزْرَعُوا الدولةَ لهم، ولنسْلِهم من بَعدهم، ولأَزلامهم والمحاسيب، منهم من رأَّسُوهُ، ومنهم من وَزَّرُوهُ، ومنهم من نَوَّبُوهُ، فإِذا نحن وارثو هذا الطقْم العفِن الذي قرأْنا عنه في “الأَحرار المصورة” قبل 95 سنة، وكما لا نزال نقرأُ اليوم عنه في “النهار” وفي بعض الصحف الحرة غير المستزلِـمة للبيلاطُسيين.
أَقول هذا الكلام، ونحن على أَربعة آحادٍ من الانتخابات ليُقرِّرَ شعبُ لبنان مصيرَه بين رَجُلَين: رجل سلطة يُكْمل سياسة آبائه وأَجداده الذين عمِلُوا لخدمة بقاء سُلطتهم وسُلطة نسْلهم، أَو رجل دولة يعمل لخدمة الشعب والوطن.
وبين رجُل سلطةٍ يَعمل للانتخابات المقْبلة، ورجلِ دولةٍ يَعمل للأَجيال المقبلة، على شعب لبنان أَن يُقرر إِن كان أَحفادنا بعد 95 سنة سيقرأُون ذات يوم ما قرأْناه نحن اليوم في جريدة جبران تويني قبل 95 سنة.
هـنـري زغـيـب